بغداد – تحولت الانتخابات البرلمانية في العراق من مناسبة دستورية للتعبير عن الإرادة الشعبية إلى ساحة صراع مليئة بالتسقيط والتشويه، وسط اتهامات متبادلة وشراء ذمم وصمت حكومي مريب على تجاوزات تهدد نزاهة العملية الانتخابية بأكملها.
السياسي المستقل طلال الجبوري أكد ، أن ما ينتظر العراق بعد إعلان نتائج الانتخابات سيكون أكثر خطورة من الصراع الانتخابي نفسه، محذراً من “مرحلة ما بعد النتائج” التي قد تشهد تصعيداً سياسياً غير مسبوق وصدامات بين الكتل والأحزاب المتنافسة.
وقال الجبوري لـ”بغداد اليوم”، إن “المرحلة اللاحقة لإعلان النتائج ستكون الأخطر، لأنها ستنقل النزاع من الشارع إلى مراكز القرار، حيث يبدأ الصراع الحقيقي على المناصب والمكاسب في ظل غياب التوافق الوطني وغياب مؤسسات قادرة على فرض القانون”.
وأضاف أن “الخطاب الانتخابي الحالي، رغم سخونته، لا يزال ضمن حدود الدعاية، لكن ما بعد النتائج قد يشهد انفجاراً سياسياً بسبب تضارب المصالح واستمرار منطق المحاصصة، مما يهدد بانهيار العملية السياسية برمتها”.
وأشار إلى أن الأطراف الخاسرة أو التي تشعر بالتهميش “قد تلجأ إلى التصعيد في الشارع تحت غطاء الاعتراض على النتائج”، في محاولة لإعادة خلط الأوراق أو انتزاع مكاسب جديدة عبر الضغط الشعبي، محذراً من أن الانقسامات الداخلية داخل القوى الشيعية والسنية والكردية ستزيد المشهد تعقيداً وفوضى.
ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية القادمة ليست نتيجة الخلاف على النتائج فحسب، بل انعكاس مباشر لفساد النظام الانتخابي نفسه، حيث تتلاعب القوى المتنفذة بالمال السياسي والنفوذ الإداري والأمني لترجيح كفتها، بينما تقف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عاجزة عن فرض معايير النزاهة أو مواجهة التدخلات.
الجبوري دعا إلى “تفاهمات مبكرة ومسؤولية وطنية” بين القوى السياسية لتفادي الانزلاق نحو أزمة جديدة، مؤكداً أن البلاد لا تحتمل المزيد من الانقسامات، وأن الحكومة المقبلة يجب أن تُبنى على أساس الكفاءة لا على صفقات المحاصصة.
لكن الشارع العراقي يرى في هذه الدعوات تكراراً لخطابات سابقة لم تغيّر من واقع الفساد شيئاً، حيث تتحول الانتخابات في كل دورة إلى “موسم لتقاسم السلطة”، لا لمحاسبة الفاسدين أو تحقيق الإصلاح.
وفي السياق ذاته، قال محمد حسام الحسيني، رئيس مكتب العلاقات الوطنية في تيار الحكمة، إن “الحديث عن شكل الحكومة المقبلة لا يزال مبكراً”، مشيراً إلى أن “نتائج الانتخابات ستحدد ملامح المشهد السياسي المقبل”، وهو ما يراه مراقبون دليلاً على أن مصير الحكومة المقبلة مرهون بحجم الحصص لا بحجم الكفاءات.
ويحذر خبراء من أن استمرار هذا النهج قد يعيد إنتاج ذات الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الانهيار، في ظل غياب أي إرادة حقيقية للإصلاح أو احترام أصوات الناخبين.
فبينما تتغنى السلطة بالديمقراطية في الخطابات، تبقى الانتخابات في العراق مرآة لفسادها، تُدار بالمال والنفوذ، وتُفرز أزمات جديدة بدل أن تحلّ القديمة، لتبقى الديمقراطية مجرّد شعارٍ في بلدٍ أنهكته الصفقات والتسويات.
![]()
