بغداد – تغرق العاصمة بغداد يومياً في فوضى مرورية خانقة تكشف فشل السلطات في إدارة الملف الخدمي، رغم مليارات الدنانير التي صُرفت على مشاريع الطرق والجسور تحت عناوين “فك الاختناقات”. وبدلاً من أن تنقذ هذه المشاريع البغداديين من الزحام، باتت تخنقهم تحت الجسور التي أُنشئت في مواقع غير مدروسة وبكلف فلكية، وسط شبهات فساد وتخبط في التخطيط.
وبحسب تقارير رسمية، تجاوز عدد المركبات في العاصمة الطاقة الاستيعابية للشوارع بأكثر من سبعة أضعاف، ما حوّل التنقل اليومي إلى معاناة مزمنة. ومع ذلك، تصر السلطات على حلول ترقيعية، تُنفّذ دون رؤية متكاملة أو دراسة واقعية لحركة المرور والبنى التحتية.
عضو لجنة النقل النيابية، عقيل الفتلاوي، أكد في تصريح أن “مشاريع الجسور لم تحقق الفائدة المرجوة، بل نقلت الزحام من منطقة إلى أخرى”، مشيراً إلى أن “الكثير من المشاريع نُفذت لأغراض انتخابية أو سياسية، لا خدمية، لأنها سريعة الإنجاز وتُستخدم للدعاية الحكومية”. وأضاف أن “المبالغ الضخمة المصروفة على مشاريع محدودة الجدوى تُثير شبهة الفساد، خصوصاً مع منح استثناءات لشركات معينة بعيداً عن الضوابط والمناقصات الرسمية”.
ويرى الفتلاوي أن “الخلل الأساس في غياب التخطيط السليم”، منتقداً إهمال مشاريع النقل الإستراتيجية مثل القطار المعلق، الذي كان من الممكن أن يخفف الضغط عن شبكة الطرق بشكل مستدام.
من جانبه، قال الخبير في شؤون النقل باسل الخفاجي إن “الزحامات في بغداد لن تُحل بإنشاء جسور جديدة ما دامت الحكومة تسمح باستيراد المركبات دون ضوابط، وتغيب سياسة تسقيط السيارات القديمة”. وأضاف أن “الفساد وسوء الإدارة جعلا من كل مشروع جديد مجرد مسكن مؤقت لأزمة تتفاقم يومياً، مسببة عشرات الحوادث المرورية وخسائر اقتصادية كبيرة”.
أما المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان نبيل الصفار، فحاول الدفاع عن أداء وزارته بالقول إن “الزيادة السكانية والانفجار في أعداد السيارات تجاوزا قدرة البنى التحتية القديمة”، مشيراً إلى تنفيذ 60 مشروعاً خلال السنوات الأخيرة بينها جسور وأنفاق ومجسرات، “ساهمت في تقليل الازدحامات في بعض المناطق”. لكنه أقرّ في الوقت ذاته بأن “الزحام ما يزال مستمراً بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية”.
ويرى مختصون أن هذه الاعترافات الرسمية تكشف جوهر المشكلة: الفساد وسوء التخطيط، إذ تُدار المشاريع بلا دراسات جدوى حقيقية، وتُمنح العقود على أساس الولاءات والمحسوبيات، فيما تُهمل الحلول الإستراتيجية طويلة الأمد.
وبينما تتغنى الجهات الحكومية بـ”الإنجازات الورقية”، يعيش المواطن البغدادي واقعاً مختلفاً تماماً؛ واقعٌ من الاختناقات الدائمة، والطرق المتهالكة، والجسور التي تحولت من رموز للتطوير إلى شواهد حية على فشل السلطة في أبسط واجباتها الخدمية .
![]()
