بغداد – تتجه الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب نحو تحريك ملف العقوبات ضد شخصيات عراقية نافذة، في خطوة تعكس تصاعد القلق الأمريكي من تفاقم الفساد السياسي والمالي داخل الطبقة الحاكمة في بغداد مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل.
مصادر سياسية مطلعة أكدت أن واشنطن بدأت بمراجعة ملفات تخص “نخب الصف الأول” في السلطة العراقية، ممن يواجهون شبهات تتعلق بتهريب الأموال، وإدارة شبكات فساد محمية من أطراف نافذة، بعضها يرتبط بعلاقات وثيقة مع المحور الإيراني.
وفي سياق متصل، عيّن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبعوثًا خاصًا جديدًا إلى العراق هو رجل الأعمال من أصول عراقية مارك سافايا، الملقب في الإعلام الأمريكي بـ”ملك القنّب في ديترويت”، ما يشير إلى توجه واشنطن نحو دبلوماسية اقتصادية أكثر جرأة لا تقتصر على القنوات الرسمية، بل تمتد إلى الملفات المالية والاستثمارية المرتبطة بالنفوذ السياسي.
ويرى مراقبون أن تحرك واشنطن في هذا التوقيت يحمل رسائل واضحة: فالولايات المتحدة تسعى إلى تطويق منظومة الفساد المتغلغلة في مؤسسات الدولة العراقية، والتي تحولت – بحسب وصف خبراء – إلى “غطاء سياسي” تستخدمه بعض القوى لتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري تحت حماية السلطة.
ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي إن العقوبات الأمريكية المحتملة قد تشمل أسماء بارزة في القوائم الانتخابية المقبلة، مشيرًا إلى أن بعض هذه الشخصيات “تواجه بالفعل ملفات فساد كبيرة أو ارتباطات بشبهات تمويل جماعات مسلحة”.
وبحسب الشريفي، فإن البيت الأبيض يعدّ قائمة جاهزة بالعقوبات، وقد يُعلن عنها قبل الانتخابات بأيام، لتكون بمثابة إنذار سياسي للنخب الحاكمة بأن واشنطن تتابع بدقة المشهد العراقي، ولن تسمح باستمرار تحالف المال السياسي مع الفساد.
في المقابل، يرى المحلل عدنان التميمي أن واشنطن تتّبع سياسة الضغط الهادئ لا المواجهة المباشرة، مفضلة مراقبة الوضع عبر مبعوثها الجديد قبل اتخاذ قرارات أكثر حسمًا، خصوصًا أن الإدارة الأمريكية تدرك حساسية المرحلة الانتخابية وتوازنات النفوذ داخل بغداد.
ويرجّح مراقبون أن العقوبات – إن أُعلنت – ستكون رمزية في ظاهرها لكنها مؤثرة في عمقها، إذ تستهدف الشخصيات الأكثر تورطًا في ملفات الفساد المالي والسياسي، لتوجيه رسالة مزدوجة: أن الولايات المتحدة تراقب، وأن النظام السياسي في العراق فقد شرعيته أمام المجتمع الدولي بسبب تفشي الفساد والمحسوبية.
هذا التحرك الأمريكي، وفق خبراء، يكشف حجم التصدّع في بنية السلطة العراقية، التي تحوّلت إلى ساحة صراع بين مصالح داخلية متورطة في الفساد وضغوط خارجية تبحث عن إعادة ضبط ميزان القوى. ومع عودة واشنطن إلى المشهد، يبدو أن ملف الفساد العراقي لم يعد شأناً محليًا فحسب، بل بات أداة دولية لإعادة رسم المشهد السياسي في بغداد.
![]()
