واسط – في مشهد يلخّص حجم الفاجعة ويكشف عمق الفساد المستشري، تحوّل طريق الكوت – النجف إلى ممر جنائزي طويل، اصطفت فيه عشرات العجلات المحمّلة بتوابيت الضحايا الذين قضوا في فاجعة حريق الكوت. كانت التوابيت تغزو الطريق، الواحد تلو الآخر، وسط بكاء الأهالي وصراخ الأمهات المكلومات، في حين تلاشت الدولة كعادتها، وغابت الحكومة عن أبسط معاني المسؤولية.
الحريق الكارثي الذي اندلع في أحد الهايبر ماركتات الكبرى في الكوت لم يكن مجرد حادث عرضي، بل جريمة متكاملة الأركان، تُضاف إلى سلسلة طويلة من الإهمال والفساد الإداري وغياب الرقابة. لم تُعرف حتى اللحظة الجهة التي يتبع لها “المول”، فوزارة التجارة تبرأت منه صراحة، وصرّحت بأنه “لا يتبع لنا”، في مشهد يعكس انفلات السوق وغياب سلطة الدولة عن مراقبة الأماكن العامة.
سكان الكوت، الذين ودّعوا أبناءهم في نعوش مغلقة، لم يجدوا في الدولة من يعزّيهم أو يواسيهم، بل واجهوا تسويفًا وتصريحات متضاربة، واتهامات تُرمى من جهة لأخرى. تساءل أحد ذوي الشهداء، وقد غمره الحزن والغضب: “من المسؤول عن أرواح أولادنا؟ من منح التراخيص؟ وأين كانت فرق الدفاع المدني؟”
وسط هذا المشهد الأسود، لم تُفتح بعد تحقيقات جديّة، ولم تُحاسب أي جهة، رغم هول الكارثة وعدد الضحايا. وما زال الطريق بين الكوت والنجف ينقل المزيد من التوابيت، وكأن الدم العراقي لا يكلّ من الموت، ولا السلطة من الإنكار.
فاجعة الكوت ليست فقط ناراً أحرقت أجساد الأبرياء، بل فضحت منظومة كاملة من الفساد واللامبالاة. وبينما تسير الجنازات، تسير معها أسئلة موجعة عن قيمة الإنسان في وطن يتنصّل فيه الجميع من المسؤولية، ولا يحاسب فيه أحد .
![]()
