بغداد – في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات والشكوك، انعقد اجتماع مغلق داخل أروقة مجلس النواب العراقي، جمع اللجنة المالية النيابية برئاسة عطوان العطواني مع وزيرة المالية طيف سامي، لمناقشة بنود موازنة 2025، وسط غياب واضح لجداولها التفصيلية وتأخر غير مبرر في تسليمها، ما فتح الباب أمام تكهنات بتواطؤ مريب ومحاولات متعمدة لحجب المعلومات عن ممثلي الشعب والرأي العام.
ورغم أن البيان الرسمي الصادر عن الدائرة الإعلامية لمجلس النواب تحدث عن “مراجعة شاملة” للموازنة الثلاثية، لم تُفسّر الأسباب الحقيقية التي تعيق عرض جداول 2025 على البرلمان، الأمر الذي يثير تساؤلات جدّية: من يقف وراء هذا التأخير؟ ولماذا يُدار ملف الموازنة بهذه السرية؟
مصادر نيابية أكدت لـ”عراق أوبزيرفر” أن بعض أعضاء اللجنة المالية عبّروا صراحة عن “استغرابهم” من غياب الوثائق المالية الأساسية عن جلسة يُفترض أن تكون محورية، خاصة وأنها تتعلق بحقوق الموظفين والمشاريع الاستثمارية والعلاوات والترفيعات التي تنتظرها شرائح واسعة من المجتمع.
التبريرات التي قدمتها الوزيرة، حول “السعي لإرسال الجداول بأسرع وقت”، بدت للبعض محاولة لامتصاص الغضب البرلماني والشعبي، خصوصاً وأن ذات العذر طُرح خلال موازنات الأعوام الماضية، دون نتائج ملموسة على الأرض. وهذا ما دفع مراقبين للتساؤل: هل تحوّل تأخير الجداول إلى أسلوب ممنهج لتمرير مشاريع إنفاق خارج الرقابة التشريعية؟
الأخطر، أن الاجتماع لم يتناول بجدية مسألة الخلافات المالية مع إقليم كردستان، والتي تُستخدم كذريعة جاهزة عند كل تعطيل، في حين تشير المعلومات إلى وجود تفاهمات جانبية تُدار في الكواليس بعيداً عن الشفافية، ما يضرب بمبدأ العدالة المالية عرض الحائط ويكرّس حالة الانقسام والتمييز.
في المقابل، تتواصل الوعود الحكومية حول “التحول الرقمي” و”تعظيم الإيرادات غير النفطية” عبر الضرائب والكمارك، والتي قيل إنها تجاوزت 2 تريليون دينار، لكن دون أن تظهر نتائجها الفعلية على مشاريع التنمية أو موازنات المحافظات، ما يثير علامات استفهام حول مصير هذه الأموال، وطرق توزيعها، ومدى خضوعها لرقابة حقيقية.
وبينما تدور نقاشات النخبة داخل قاعات البرلمان، يقف المواطن العراقي، كعادته، على الهامش، متفرجاً على مشهد معقد تغيب فيه الشفافية وتزداد فيه المؤشرات على وجود شبكة من المصالح والصفقات تحيط بالموازنة كغلاف سميك يحجب الحقائق.
فهل نحن أمام عرقلة متعمّدة تهدف إلى تمييع الحقائق وتمرير إنفاق بلا محاسبة؟ أم أن هناك أطرافاً تتواطأ لصياغة الموازنة وفق مصالح ضيقة على حساب المصلحة الوطنية؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات غائبة… لكن المؤكد أن استمرار تأخير إرسال جداول الموازنة، دون محاسبة أو وضوح، لا يمكن أن يُفهم خارج دائرة الشبهات .
![]()
