بغداد – بينما تروّج الحكومة العراقية لما تصفه بـ”الإنجاز التاريخي” في مجال الطاقة، يكشف إعلان السفارة الأمريكية في بغداد عن توقيع اتفاق مع شركة إكسيليريت إنرجي الأمريكية لإنشاء محطة غاز عائمة، عن حلقة جديدة من الارتهان الاقتصادي والسياسي الذي يعمّق تبعية العراق للشركات الأجنبية، بدل أن يحقق “الاستقلال عن إيران” كما يزعم الخطاب الرسمي.
ففي بيانٍ نُشر على منصة “أكس”، قدّمت السفارة الأمريكية تهانيها للشركة الأمريكية بمناسبة توقيع الاتفاقية مع وزارة الكهرباء العراقية، واعتبرت أن المشروع يمثل “خطوة حاسمة نحو تحقيق استقلال العراق عن إيران”.
لكن مراقبين يرون أن الاستقلال الحقيقي لا يتحقق بتبديل التبعية من دولة إلى أخرى، بل ببناء قدرة وطنية إنتاجية قادرة على إدارة موارد البلاد بعيداً عن الضغوط الأجنبية.
الاتفاق الجديد، الذي جرى توقيعه بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووكيل وزارة الطاقة الأمريكية جيمز باتريك دانلي، يأتي في وقتٍ تتصاعد فيه الانتقادات بشأن استمرار تسليم قطاع الطاقة العراقي لشركات أجنبية بعقود طويلة الأمد وغامضة البنود، في ظل غياب الشفافية والمساءلة البرلمانية.
وخلال اللقاء، تحدث السوداني عن “أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة” و”نتائج إيجابية” حققتها الحكومة في قطاع الطاقة، مشيراً إلى أن العراق يسير نحو الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول عام 2028.
لكن هذه التصريحات تصطدم بواقعٍ اقتصادي يُظهر عجزاً هيكلياً في إدارة ملف الغاز، حيث يستورد العراق يومياً كميات ضخمة من الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، رغم امتلاكه احتياطات هائلة غير مستغلة بسبب الفساد وسوء الإدارة.
ويرى خبراء أن المشروع الجديد، الذي تبلغ طاقته 15 مليون متر مكعب يومياً ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، سيُثقل كاهل الموازنة بعقود طويلة الأجل تضمن الأرباح للشركات الأمريكية، بينما تبقى شبكات الكهرباء في العراق رهينة الصيانة الخارجية والديون المتراكمة.
كما أن المنصة العائمة (FSRU) التي يجري الترويج لها كخيار “مرن وسريع”، ليست سوى حل مؤقت يعمّق التبعية التقنية والمالية، إذ تفتقر وزارة الكهرباء إلى كوادر مؤهلة لإدارتها بشكل مستقل، ما يفتح الباب أمام تمديد العقود مراراً لصالح الشركات الأجنبية.
وبينما تبارك واشنطن “الخطوة نحو الاستقلال عن إيران”، يتساءل الشارع العراقي:
هل الاستقلال يعني الارتهان الكامل لواشنطن والشركات الأمريكية؟
وأين هي الخطط الحكومية لتأهيل الشركات الوطنية واستثمار الغاز المحلي المحترق منذ سنوات دون استغلال؟
مصادر اقتصادية حذّرت من أن هذه الاتفاقيات قد تتحول إلى بوابة جديدة للفساد، خاصة في ظل غياب رقابة فعلية من مجلس النواب الذي فقد دوره الرقابي لصالح صفقات تُدار خلف الأبواب المغلقة، بين الحكومة والشركات الأجنبية بحجة “دعم الاستقرار”.
وفي وقتٍ تتحدث فيه الحكومة عن الاكتفاء الذاتي، تكشف الحقائق أن العراق لا يزال يعتمد على الغاز المستورد بنسبة تتجاوز 40% لتشغيل محطات الكهرباء، فيما تهدر مليارات الدولارات سنوياً بسبب غياب الاستراتيجية الوطنية للطاقة.
وهكذا، يتضح أن ما يُسوَّق كـ”اتفاق استقلال” ليس سوى صفقة جديدة تُكرّس التبعية وتُثبّت الفساد في قطاع الطاقة، حيث تتحول المشاريع الكبرى إلى عقود سياسية مربحة، بينما يبقى المواطن يعاني من الانقطاعات المتكررة وارتفاع كلف الكهرباء.
![]()
