
في خطوة يراها الشارع العراقي متأخرة ومليئة بعلامات الاستفهام، صدر قرار قضائي بمخاطبة رئاسة البرلمان لرفع الحصانة عن النائب مثنى عبد الصمد السامرائي، تمهيدًا لمحاكمته في قضايا لم يُفصح عنها حتى اللحظة. وبينما تروج السلطات لهذه الخطوة على أنها جزء من حملة “مكافحة الفساد”، يصفها المواطنون بأنها محاولة مكشوفة لامتصاص غضب الشارع المتصاعد. السامرائي، أحد أبرز الوجوه النافذة في اللجان البرلمانية، ظل يتمتع بحماية سياسية طوال سنوات، رغم الشبهات التي أثيرت حوله، ما يثير تساؤلات مشروعة: لماذا الآن؟ ولماذا هو بالذات؟ ولماذا تتأخر “العدالة” حين يتعلق الأمر بشخصيات مرتبطة بالسلطة؟ اللافت أن الكتلة التي ينتمي إليها النائب التزمت الصمت المطبق، في مؤشر يعكس إرباكًا داخليًا أو ربما محاولة لاحتواء العاصفة دون أن تتسرب تفاصيل التهم التي قد تهزّ أركان تحالفات برلمانية هشّة. وبينما يُنظر لرفع الحصانة بوصفه خطوة أولى نحو المساءلة، يرى مراقبون أن المسار القضائي ما يزال محاطًا بعوائق سياسية تحول دون تحقيق العدالة الكاملة. فملفات الفساد الكبرى غالبًا ما تنتهي إلى “تسويات” في الكواليس، أو يتم إسقاطها لصالح صفقات سياسية، في مشهد بات مألوفًا في عراق ما بعد 2003. هذا التطور، وإن بدا قانونيًا، إلا أنه يكشف هشاشة منظومة الحصانة البرلمانية، التي تحولت في نظر العراقيين إلى غطاء للفاسدين، وليس أداة لحماية من يواجهون تهديدات سياسية حقيقية. كما يعكس غياب المعايير العادلة في محاسبة المتورطين، حيث تُستثنى شخصيات وازنة تنتمي لأحزاب السلطة، ويُضحّى بأخرى أقل تأثيرًا حين تشتد الحاجة لقرابين تهدئ الغضب الشعبي. الحديث عن “سيادة القانون” لم يعد يقنع أحدًا، ما دامت الإجراءات الانتقائية تطغى، والملفات الكبرى تُغلق في الغرف المظلمة. والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم: هل سيمثل مثنى السامرائي بوابة لتفكيك منظومة الفساد السياسي، أم مجرد عنوان جديد لحلقة من حلقات التضليل والمماطلة؟ في بلد يعيش أزمات حكم وثقة ومؤسسات، تبقى الشفافية غائبة، والمحاسبة الحقيقية مؤجلة، أما الفساد، فلا يزال يزدهر تحت عباءة “الحصانات” والولاءات.