بغداد – في مشهد يعكس هشاشة القرار السياسي وتغلغل النفوذ الخارجي، علق الخبير في الشؤون الاستراتيجية حسين الأسعد ، على دخول المبعوث الأمريكي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، على خط تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكداً أن وجوده “سيفتح فصلاً جديداً من الوصاية السياسية على القرار العراقي”.
وقال الأسعد ، إن “تحرك سافايا في بغداد يؤشر إلى رغبة واشنطن في إدارة مشهد تشكيل الحكومة بشكل مباشر، بعد أن فشلت القوى السياسية العراقية في التوصل إلى تفاهمات وطنية مستقلة”، مضيفاً أن “الولايات المتحدة تسعى لإعادة صياغة التوازنات الداخلية بما يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية”.
وأشار إلى أن “المبعوث الأمريكي لن يكون مجرد وسيط دبلوماسي، بل لاعب فعلي يوجه الأطراف السياسية وفق أجندات محددة”، محذراً من أن “هذا التدخل يكشف عجز الحكومة والطبقة السياسية عن حماية السيادة ورفض الوصاية الخارجية”.
وأضاف الأسعد أن “الإدارة الأمريكية تتابع بدقة التحالفات البرلمانية والاتفاقات بين الكتل، وتعمل على توجيه بوصلة المشهد السياسي بما يضمن استمرار نفوذها، تحت غطاء الاستقرار والتعاون ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي”، مشدداً على أن “النفوذ الأمريكي يتغلغل اليوم من خلال ملفات حساسة مثل الطاقة والأمن والاستثمار، وسط غياب أي موقف وطني جاد يرفض هذا المسار”.
وفي السياق ذاته، قال الخبير في الشؤون الاستراتيجية جاسم الغرابي، إن “تعيين سافايا وتوليه مهامه في بغداد يمثل عودة واضحة للاهتمام الأمريكي بالشأن العراقي”، مؤكداً أن “الولايات المتحدة تسعى لإعادة صياغة علاقتها مع الحكومة بما يضمن استمرار وجودها العسكري والسياسي، بحجة دعم الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الإرهاب”.
وأضاف الغرابي أن “هذه الخطوة تكشف حجم الارتهان السياسي الذي وصلت إليه بغداد، إذ لم تعد القرارات المصيرية تُتخذ داخل المؤسسات الوطنية، بل تُرسم ملامحها في السفارات وغرف المشاورات الأجنبية”.
ويرى مراقبون أن دخول المبعوث الأمريكي إلى المشهد العراقي في هذا التوقيت الحساس يكرّس من جديد معادلة “السلطة التابعة”، ويعكس فشل الحكومات المتعاقبة في فرض رؤية مستقلة لإدارة شؤون الدولة، محذرين من أن استمرار هذا النهج سيجعل العراق ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية.
ويأتي ذلك وسط صمت رسمي مطبق، حيث تلتزم الحكومة موقف المتفرج أمام عودة النفوذ الأمريكي إلى قلب العملية السياسية، في وقت يتساءل فيه الشارع العراقي: من يدير البلاد فعلاً — الحكومة المنتخبة أم المبعوثون القادمون من واشنطن؟
![]()
