بغداد – في ظل تصاعد الاتهامات الشعبية والرقابية حول استشراء الفساد في مفاصل الدولة العراقية، تكشفت مؤخرًا معالم شبكة معقّدة من استغلال النفوذ السياسي، تورطت فيها شخصيات برلمانية ومسؤولون حكوميون، عبر الضغط على وزارات خدمية واقتصادية لعقد صفقات مشبوهة مع شركات أجنبية، تخدم مصالح حزبية وانتخابية ضيقة.
وبحسب مصادر برلمانية مطلعة، فإن بعض أعضاء لجان الطاقة والنفط والمالية، يستغلون مواقعهم التشريعية لتمرير مشاريع واتفاقيات لصالح شركات أجنبية تقدم لهم خدمات استشارية، أو تتولى مهام خفية لصالح تياراتهم، مقابل ضمان الحصول على العقود الحكومية الكبرى داخل العراق، لاسيما في قطاعات الكهرباء والطاقة والبنى التحتية.
وتشير الوثائق والتقارير إلى أن وزارات مثل الكهرباء والنفط والموارد المائية باتت ميدانًا مفتوحًا للمساومات السياسية، حيث تُفرض أسماء شركات بعينها على لجان التعاقد، ويُجبر مسؤولو الدوائر الفنية على التوقيع على عقود مؤقتة بشروط مجحفة، مقابل وعود كاذبة بالتثبيت الوظيفي أو بتمويل المشاريع.
في هذا السياق، كشف مصدر في وزارة الكهرباء أن جهات سياسية ضغطت مؤخرًا لإبرام عقد مع شركة أجنبية غير مؤهلة، لتجهيز معدات بقيمة عشرات الملايين من الدولارات، رغم تحذيرات اللجان الفنية من وجود بدائل محلية أو أرخص عالميًا. وأضاف: “الوزارات أصبحت رهائن للمكاتب الاقتصادية التابعة للكتل السياسية، وكل مشروع يمرّ من تحت الطاولة مقابل العمولة”.
كما أكد مصدر قانوني مطلع على التحقيقات الجارية أن بعض شركات الطاقة الأجنبية، خصوصًا العاملة في مناطق الجنوب، ترتبط بعقود استشارية مباشرة مع شخصيات سياسية مسؤولة عن المتابعة البرلمانية للملف النفطي، ما يفتح بابًا واسعًا للشكوك بشأن تضارب المصالح والتواطؤ في تسريب المعلومات الفنية.
ويأتي هذا في وقت تستعد فيه البلاد لدورة انتخابية جديدة، حيث يُلاحظ ارتفاع وتيرة العقود المؤقتة، و”مكرمات التثبيت”، واستغلال التعيينات الوظيفية لكسب الولاءات، في مشهد يعكس أن العملية السياسية ما زالت تُدار بعقلية المكاسب لا بمسؤولية الدولة.
الناشط المدني فاضل الكعبي علّق بالقول: “نحن أمام مافيات سلطة، لا أمام مؤسسات حكومية. الوزارات تُبتز، وتُدار وفق مصالح الكتل، والشعب آخر من يُؤخذ رأيه”.
وفي ظل غياب إجراءات حقيقية للحد من هذا التغلغل الحزبي في عمل الوزارات، تزداد المخاوف من أن تتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات انتخابية، فيما تستمر شركات الخارج بجني الثمار على حساب المواطن العراقي، الذي يُحرم من أبسط حقوقه في الكهرباء، والماء، والخدمات.
![]()
