بغداد – يدخل العراق عام 2026 محملاً بملف ثقيل يكشف فشل السلطات في حماية حياة المواطنين وملاحقة الجرائم السابقة. بعد عقد من انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش، لا يزال آلاف العراقيين في حكم المفقودين، بلا أثر في السجلات الرسمية أو محاكم الدولة، في قضية تحولت من أزمة إنسانية إلى اختبار حقيقي لالتزام الدولة بالقانون الدولي.
تقدّر منظمات دولية مثل اللجنة الدولية للمفقودين أن عدد المفقودين في العراق يتراوح بين 250 ألفاً ومليون شخص عبر العقود، فيما تحتفظ اللجنة الدولية للصليب الأحمر بنحو 28 ألف ملف مفتوح، ويؤكد المرصد العراقي لحقوق الإنسان تلقيه أكثر من 11 ألف بلاغ رسمي بين 2017 و2022. رغم ضخامة هذه الأرقام، يظل التقصير الحكومي واضحاً في فتح التحقيقات ومحاسبة المسؤولين.
تبقى قضية الصقلاوية في الأنبار أبرز دليل على هذا الإخفاق؛ ففي حزيران 2016 اختفى 643 رجلاً وفتى خلال استعادة الفلوجة، وسط تواطؤ أو عجز الأجهزة الأمنية عن كشف مصيرهم، رغم مطالب منظمة العفو الدولية المتكررة بالكشف عن الحقائق.
وفي حديث تلفزيوني، صرح نائب رئيس الوزراء الأسبق صالح المطلك أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي قال عند مناقشة الملف: “فتشوا عنهم في نهر دجلة”، ما أثار غضباً واسعاً ووصفه مراقبون بأنه إمعان في الإهمال والاستخفاف بحياة المواطنين.
تتوزع حالات الاختفاء في مناطق عدة، أبرزها الرضوانية والرازازة وسامراء وآمرلي وجرف النصر، حيث أشارت تقارير حقوقية إلى احتجاز تعسفي عند نقاط التفتيش ومراكز سرية تنفي الحكومة وجودها. وثقت هيومن رايتس ووتش عشرات الحالات بوصفها “احتجاز سري دون مسار قضائي”، فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية أن تجاهل الدولة للملف يمثل إخلالاً جوهرياً بالتزاماتها الدولية.
مع اقتراب موعد مراجعة الأمم المتحدة (9–27 آذار 2026)، طالبت اللجنة العراق باتخاذ إجراءات عاجلة تشمل: تجريم الاختفاء القسري، إنشاء إطار شامل للتعويض، حفظ الأدلة، وضمان شفافية سجلات الاحتجاز، إضافة إلى إصلاح البنية المؤسسية للجنة الوطنية للمفقودين والمفوضية العليا لحقوق الإنسان، وإنشاء آلية مركزية مستقلة للبحث والتحقيق في المقابر الجماعية.
دعت اللجنة كذلك إلى حماية ذوي المفقودين من الانتقام، وتمكينهم من المشاركة في التحقيقات، وإلغاء شرط شهادة الوفاة، واستبدالها بإجراءات إعلان الغياب، بما يضمن حقوق العائلات اجتماعيًا وقانونيًا.
وأشار مركز جنيف الدولي للعدالة إلى أن العراق يفشل في مواجهة هذه الأزمة بسبب غياب التشريع الوطني وقاعدة بيانات موحدة، واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتبرير الاحتجاز التعسفي، مؤكدًا أن مهلة آذار 2026 هي آخر فرصة لبرهنة جدية الدولة، وإلا ستواجه مساءلة دولية مباشرة.
المراقبون يشددون على أن ملف المفقودين في العراق يتحرك بين فشل داخلي متواصل وضغط دولي متصاعد، فيما تنتظر آلاف العائلات بصيص أمل لمعرفة مصير ذويها، وسط تساؤلات جدية عن قدرة الحكومة على تحويل التزاماتها القانونية إلى إجراءات عملية وفعالة.
![]()
