بغداد – تتسع يوماً بعد آخر دائرة الغضب داخل وزارة الكهرباء، بعدما تكشّف واحد من أكبر ملفات الفساد الإداري المغطّى بواجهة قانونية، يتعلق بمشروع “قطع الأراضي السكنية” الذي تحوّل إلى فخّ مالي وقع فيه آلاف الموظفين.
فمنذ سنوات، جمع مسؤولون في الجمعية التعاونية للإسكان التابعة للوزارة نحو 40 مليار دينار من أكثر من 4000 موظف، بحجة تخصيص أراضٍ سكنية للموظفين، قبل أن تتبخر الوعود ويختفي المشروع وسط صمت رسمي يثير الريبة.
الملف، الذي انفجر مجدداً بعد احتجاجات واسعة للموظفين، كشف عن شبكة من التواطؤ الإداري والتسويف المقصود، حيث لم تُسلّم أي قطعة أرض رغم استيفاء جميع المبالغ المطلوبة. وأكد الموظفون أن رئيس الجمعية، مصعب المدرّس، تهرّب من المسؤولية وتمت إحالتُه إلى التقاعد بشكل مفاجئ، في خطوة وصفوها بأنها محاولة لـ”إغلاق الملف” دون محاسبة أو مساءلة.
مصادر داخل الوزارة أشارت إلى أن الأموال المجمعة أودعت في بنك زين الأهلي، فيما لا يجرؤ أحد على المطالبة باسترجاعها رسمياً، وسط حديث عن “غطاء قوي” يحمي المتورطين ويمنع تحريك الدعوى القضائية.
ورغم الاجتماعات المتكررة التي عقدها مدير عام الدائرة الإدارية عمر سليم مع ممثلي الموظفين، والتي تعهد فيها بإحالة القضية إلى رئاسة الوزراء وهيئة النزاهة، إلا أن المحتجين يؤكدون أن هذه الوعود لم تتجاوز التصريحات الإعلامية، في ظل غياب أي إجراء ملموس لاسترداد الأموال المنهوبة.
الخبراء في الشأن الإداري يؤكدون أن ما حدث يمثل نموذجاً صارخاً لـالفساد المؤسسي المنظم، حيث تُستغل الجمعيات التعاونية داخل الوزارات كأدوات لجمع الأموال خارج إطار الرقابة المالية، بعقود فضفاضة تسمح بتمرير التجاوزات تحت غطاء “القانون”.
ويحذر المراقبون من أن تجاهل هذه القضية سيؤدي إلى انهيار ثقة الموظفين بالمؤسسات الحكومية، لاسيما أن أكثر من أربعة آلاف عائلة عراقية أصبحت ضحية مباشرة لفساد إداري محميّ بالصمت والتواطؤ.
القضية، بحسب مختصين، لم تعد مجرد ملف داخلي لوزارة الكهرباء، بل تحوّلت إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة الدولة على محاسبة الفاسدين داخل مؤسساتها، خصوصاً حين يصبح القانون نفسه غطاءً للنهب المنظم.
وفي انتظار ما ستكشفه التحقيقات بشأن هوية الجهات التي تقف وراء البنك المودعة فيه أموال الموظفين، تبقى الحقيقة الأوضح أن المال العام في وزارة الكهرباء يُدار بعقلية “من دون رقيب”، والفساد يشتعل من داخل المؤسسات نفسها.
![]()
