بغداد – تفجّرت أزمة جديدة تكشف عمق الفساد الإداري في مؤسسات الدولة، بعد أن كشف مجلس محافظة ديالى عن خفايا خطيرة تتعلق بملف خصخصة الكهرباء، الذي أُحيل لمستثمرين بطريقة مشبوهة، وبتغطية من جهات حكومية مركزية، وسط غضب شعبي متصاعد واتهامات مباشرة للسلطات بالتربّح من أموال المواطنين.
عضو مجلس ديالى فارس الجبوري قال في مؤتمر صحفي ، إن مشروع الخصخصة في المحافظة “كارثة إدارية ومالية”، مؤكداً أن الشركة المنفذة لا تمتلك حتى بنية تحتية مؤهلة لإدارة شبكة كهرباء قرية صغيرة، فكيف بمحافظة كاملة؟ وأضاف بغضب أن “مقر الشركة لا يتجاوز منزلاً بمساحة 200 متر مربع، يدّعي أنه يدير عمليات الصيانة والتوزيع في محافظة تضم أكثر من مليون نسمة!”
وشدد الجبوري على أن المجلس قرر رسمياً إيقاف أعمال الشركة وفكّ الارتباط مع دائرة كهرباء ديالى، محذراً من أن السلطات المركزية في بغداد تتحمل مسؤولية تمرير هذا العقد “الخيالي”، ومؤكداً استعداد المجلس لدعم التظاهرات الشعبية في حال استمرت الحكومة في فرض المشروع بالقوة.
من جانبه، كشف نائب رئيس مجلس ديالى سالم التميمي أن “الإجازة الاستثمارية التي منحتها وزارة الكهرباء وشركة توزيع كهرباء الوسط لمشروع الخصخصة، مخالفة صريحة للقانون”، موضحاً أن من شروط العقد توفير كهرباء لمدة 20 ساعة يومياً وبقدرة 2200 ميغاواط، وهو ما لم يتحقق إطلاقاً. وأضاف: “المشروع قُدّر بـ250 مليون دولار دون وجود أي موافقات من 14 دائرة حكومية في المحافظة، كما أن منح الإجازة الاستثمارية ليس من صلاحية هيئة الاستثمار الوطنية، بل من اختصاص هيئة استثمار ديالى، ما يجعل العقد فاقداً للشرعية القانونية”.
التميمي أكد أن “المشروع الحالي فُرض بقرار حكومي من رئاسة الوزراء وبتصويت من البرلمان، دون التأكد من توافر الشروط الفنية والخدمية، وهو ما يجعل الخصخصة في ديالى نموذجاً للفوضى الإدارية وسوء التخطيط”.
في السياق ذاته، خرج العشرات من أهالي بعقوبة الجديدة في تظاهرات غاضبة أمام دائرة توزيع الكهرباء، رفضاً لما وصفوه بـ”مشروع الجباية القسري”، بعد ارتفاع فواتير الكهرباء إلى مستويات فلكية تجاوزت مليونَي دينار للمنزل الواحد، رغم الانقطاع المتكرر وضعف التجهيز اليومي للطاقة.
وقال المتظاهرون إن “مشروع الجباية أُحيل إلى مستثمر مجهول دون علم الحكومة المحلية، وبمبالغ خيالية لا تستند لأي عدالة أو معايير فنية”، مؤكدين أن السلطات في بغداد تتجاهل معاناة المواطنين وتستخدم الخصخصة كغطاء لنهب أموال الناس.
النائب عن محافظة ديالى أحمد الموسوي، الذي شارك في التظاهرة، وصف ما يجري بأنه “استهانة بالمواطنين واعتداء على صلاحيات الحكومة المحلية”، مؤكداً أن “منح العقد لمستثمر مباشر من بغداد دون علم مجلس ديالى يعكس تغوّل المراكز السياسية في العاصمة، وفساداً ممنهجاً يراد تمريره عبر مشاريع ظاهرها الخدمة وباطنها الجباية”.
ويأتي هذا الملف ليضيف فصلاً جديداً في سلسلة ملفات الفساد الحكومية التي طالت مشاريع الطاقة في العراق، والتي تحولت على مدى سنوات إلى مزاد سياسي مغلق تُدار فيه العقود بعيداً عن الرقابة، بينما يبقى المواطن تحت رحمة فواتير مرتفعة وظلام دائم.
![]()
