بغداد – في ظل صمت حكومي مطبق وتجاهل واضح للكارثة، يشهد العراق ارتفاعًا مرعبًا وغير مسبوق في معدلات الإصابة بمرض السرطان، حيث كشفت إحصائيات طبية عن قفزة بنسبة تفوق 2000% مقارنة بالسنوات الماضية، وسط تحذيرات من أن البلاد تتجه نحو كارثة صحية حقيقية تُنذر بحصد أرواح الآلاف، نتيجة تدهور البيئة وغياب أي تدخل فعّال من الجهات المعنية.
ويُعزى هذا الانفجار في معدلات الإصابة إلى تحول العراق إلى “مصبٍ مائيٍّ ملوث” لمياه دجلة والفرات، ما يجعله عرضة لتراكم النفايات الكيميائية والصناعية القادمة من دول الجوار، دون أن تتحرك السلطات العراقية لفرض أي رقابة أو حماية لمصادر المياه. وقد أصبحت الأمراض المرتبطة بالمياه، وعلى رأسها السرطان، تهدد حياة الملايين، خصوصًا في محافظات الجنوب التي تسجل ما بين 2500 إلى 3000 حالة إصابة سنويًا.
المثير للقلق أن النسبة الأكبر من الإصابات تتركز في المحافظات النفطية، التي تشهد تلوثًا بيئيًا كثيفًا نتيجة الحرق العشوائي والمستمر للغاز المصاحب للنفط، وخاصة في محافظة البصرة. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 60% إلى 70% من إجمالي الإصابات السرطانية تأتي من هذه المناطق، ما يكشف بوضوح تقاطع الإهمال الحكومي مع المصالح النفطية على حساب صحة المواطن.
العراق بات يُصنف اليوم ضمن أكثر دول العالم تلوثًا بالجسيمات الدقيقة المعروفة باسم (PM2.5)، والتي تُعد من الأسباب الرئيسة لأمراض السرطان والجهاز التنفسي. ورغم أن الدراسات الدولية ربطت بين التعرض المستمر لهذه الجسيمات وسرطان الدم (اللوكيميا)، خاصة في مناطق كالبصرة، إلا أن الحكومة العراقية لم تتخذ أي إجراء حقيقي للحد من هذه الظاهرة أو حماية السكان.
ووفقًا لبيانات وزارة الصحة العراقية، فقد ارتفع عدد المصابين بالسرطان من 39 ألف حالة في عام 2022 إلى أكثر من 43 ألف حالة في 2023، أي بزيادة تجاوزت 4000 إصابة خلال عام واحد فقط. وتصدرت محافظات بغداد، البصرة، ونينوى قائمة الإصابات، في مؤشر جديد على أن خطر السرطان لم يعد محصورًا جغرافيًا، بل بات ينتشر على امتداد البلاد.
وفي ظل هذا التدهور الصحي الكارثي، يُسجَّل غياب تام لأي خطة حكومية شاملة لمواجهة انتشار الأمراض السرطانية، أو لضبط التلوث الصناعي والمائي والهوائي. كما تتغافل الجهات الرسمية عن تقديم توضيحات للرأي العام، ما يعزز الشكوك حول وجود فساد ممنهج وتواطؤ سياسي مع شبكات المصالح الكبرى التي تُدير ملفات النفط والبيئة والصحة في العراق.
ويطالب ناشطون وخبراء بيئيون بفتح تحقيقات عاجلة ومحاسبة المسؤولين عن هذا التدهور، متهمين السلطات بتجاهل الحقائق العلمية وتضليل المواطنين، فيما تُترك آلاف العائلات لمواجهة هذا المرض الفتّاك دون دعم أو حماية.
![]()
