بغداد – في زيارة حملت رسائل حادة بين السطور، وصل المبعوث الأمريكي مارك سافايا إلى بغداد، معلناً ما وصفه بـ”مرحلة جديدة في الخطاب الأمريكي تجاه العراق”، لكن جوهر الزيارة كشف عن قلق واشنطن المتزايد من واقع الدولة العراقية التي تغرق في نفوذ السلاح المنفلت وتعدد مراكز القرار.
سافايا تحدث بوضوح عن ضرورة توحيد السلاح تحت سلطة الدولة، مؤكداً أن العراق لا يزال بحاجة إلى دعم خارجي ليبقى على “الطريق الصحيح”، وهو تصريح عكس انعدام الثقة بقدرة الحكومة على بسط سيادتها الفعلية. وأضاف أن “غياب وحدة القيادة الأمنية يُبقي سيادة العراق ناقصة، ويعرض أمنه للخطر”، مشدداً على أن “لا مكان لجماعات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة”.
لكن الرد العراقي جاء بنبرة دفاعية كشفت حجم التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع. فقد سارع عبد الأمير المياحي، القيادي في تحالف العقد الوطني، إلى التأكيد بأن “الوضع الأمني مستقر وأن الحشد الشعبي جزء من الدولة”، متجاهلاً ما تشهده الساحة من انتهاكات وتجاوزات تمارسها فصائل تمتلك نفوذاً موازياً للسلطة الرسمية.
المياحي ذهب أبعد من ذلك حين حاول تبرير وجود سلاح خارج السيطرة، قائلاً إن “الولايات المتحدة نفسها تمتلك تشكيلات أمنية متعددة”، في مقارنة اعتبرها مراقبون “محاولة فاشلة لتبرير ضعف الدولة العراقية أمام الجماعات المسلحة التي باتت تتقاسم النفوذ والثروة داخل البلاد”.
مصادر سياسية مطلعة أكدت لـ”بغداد اليوم” أن تصريحات المبعوث الأمريكي جاءت نتيجة تقارير استخبارية تؤكد استمرار تحرك جماعات مسلحة تابعة لأحزاب نافذة خارج سلطة الحكومة، ما يجعل الحديث الرسمي عن “السيادة الكاملة” مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي.
الولايات المتحدة، من جانبها، ترى أن العراق فقد جزءاً من سيادته بسبب تغلغل النفوذ الحزبي داخل مؤسسات الدولة، وأن الإصلاح الأمني الحقيقي يبدأ من تفكيك المكاتب الاقتصادية والفصائل المسلحة التي تحولت إلى دولة داخل الدولة.
في المقابل، تواصل الحكومة العراقية ترديد خطاب “الاستقرار”، فيما تشير الوقائع إلى أن القرار الأمني والاقتصادي موزع بين أحزاب ومليشيات تفرض إرادتها على الأرض. ومع كل تصريح أمريكي يدعو لتوحيد السلاح، يزداد تمسك السلطة بخطاب الإنكار، ما يجعل السيادة شعاراً سياسياً لا واقعاً ملموساً.
ويرى مراقبون أن زيارة سافايا فتحت من جديد ملف “السلاح الموازي” الذي تحاول الحكومة طمسه، وأن رسائله حملت تحذيراً مبطناً من تحول العراق إلى ساحة نفوذ متشابكة بين القوى الداخلية والخارجية. فبينما تتحدث واشنطن عن “استكمال طريق السيادة”، تكتفي بغداد بإنكار الأزمة، في مشهد يعكس حكومة عاجزة عن مواجهة الفساد والسلاح معاً، وشعباً يدفع ثمن دولة لا تحكم فعلاً بل تُدار من خلف الكواليس.
![]()
