بغداد – في مشهد يعكس حجم الارتهان السياسي داخل العراق، كشف مصدر مطّلع عن تفاصيل الزيارة غير المعلنة التي أجراها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، والتي تحوّلت إلى جولة إدارة داخلية للقرار العراقي أكثر من كونها زيارة دبلوماسية.
المصدر أوضح أن قاآني بحث مع كبار المسؤولين العراقيين وقيادات الإطار التنسيقي ملف إعادة هيكلة الفصائل المسلحة وتنسيق المواقف الأمنية والسياسية، تحت ذريعة “منع استهداف العراق بضربات إسرائيلية”، لكنّ فحوى اللقاءات كشف أن الهدف الحقيقي هو إعادة ترتيب الولاءات وضبط السلاح بما يخدم النفوذ الإيراني في العراق.
وأضاف أن الاجتماعات التي عقدها قاآني شملت قادة الأحزاب المتنفذة وعدداً من قادة الفصائل، حيث تم التأكيد على “التهدئة وتنظيم السلاح”، في وقت تتهم فيه جهات سياسية هذه الفصائل باستخدام نفوذها وأموال الدولة في الدعاية الانتخابية.
الزيارة التي جاءت في ذروة الخلافات داخل الإطار التنسيقي حول تقاسم السلطة والنفوذ، كشفت – بحسب المصدر – عن دور مباشر لقاآني في احتواء الصراعات بين قادة الإطار، لا من موقع وسيط خارجي، بل كصاحب قرار يرسم حدود اللعبة السياسية في بغداد.
المصادر أكدت أن قائد فيلق القدس لم يكتفِ بلقاءات جماعية، بل أجرى اجتماعات مغلقة مع زعامات سياسية مؤثرة، ناقش خلالها كيفية الحفاظ على “وحدة الموقف الشيعي” قبل الانتخابات المقبلة، وهو ما يعني عملياً إدارة العملية الانتخابية العراقية من الخارج.
توقيت الزيارة لم يكن عفوياً. فقد تزامن مع تصاعد الاتهامات ضد قوى في الإطار باستخدام موارد الدولة لخدمة حملاتها الانتخابية، وسط صمت حكومي مريب يعكس هشاشة مؤسسات الرقابة واستسلامها الكامل لإرادة الكتل المتنفذة.
وبينما كان الحديث الرسمي يدور عن “التهدئة وضبط النفس”، كانت أجهزة الدولة تراقب بصمت اجتماعات تُدار خارج الأطر القانونية والدستورية، لتؤكد مجدداً أن القرار العراقي ما زال رهينة التفاهمات الخارجية.
من جانب آخر، حذّر وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو خلال مكالمة مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أن “الميليشيات المدعومة من إيران في العراق تهدد حياة وأمن الأميركيين والعراقيين وتنهب موارد الدولة لصالح طهران”، في إشارة واضحة إلى تورط قوى سياسية في حماية مصالح إيران الاقتصادية داخل العراق.
المراقبون يرون أن تكرار زيارات قاآني إلى بغداد يعكس غياب القرار الوطني المستقل، وتحوّل الحكومة إلى واجهة شكلية تُدار بقرارات عابرة للحدود. فالاجتماعات التي تُعقد تحت عنوان “التنسيق الأمني” باتت عملياً غطاءً لترسيخ التبعية السياسية والمالية، وسط شلل مؤسسات الدولة وانصياع البرلمان والقضاء لأوامر الكتل المتنفذة.
ويرى محللون أن هذا النوع من التدخلات المتكررة يكشف انهيار منظومة السيادة العراقية بالكامل، ويؤكد أن الفساد لم يعد محصوراً في سرقات المال العام، بل تعدّاه إلى فساد سياسي ممنهج يسمح للقوى الخارجية بالتحكم بمصير الدولة.
في المقابل، يلتزم المسؤولون الصمت، بينما تستمر طهران بإدارة الساحة العراقية عبر بوابة “التنسيق الأمني”، في مشهدٍ يعكس فقدان العراق لقراره السيادي ووقوعه في قبضة سلطة مزدوجة: سلطة الفصائل من الداخل، وسلطة الحرس الثوري من الخارج.
![]()
