بغداد – تتصاعد مؤشرات الفساد السياسي داخل المؤسسات العراقية مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، وسط معلومات عن ضغوط تُمارس على منتسبين في الأجهزة الأمنية والعسكرية لإجبارهم على التصويت لجهات محددة، في مشهد يعكس حجم الانهيار الأخلاقي والإداري داخل منظومة الدولة.
مصادر أمنية تحدثت عن تهديدات مبطنة من بعض القادة لمرؤوسيهم بالمساءلة أو النقل في حال لم يثبتوا “الولاء الانتخابي”، ما يكشف عن استغلال خطير للسلطة العسكرية في خدمة مشاريع حزبية ضيقة. هذه الممارسات تعيد إلى الأذهان سنواتٍ من التسييس الممنهج الذي حوّل المؤسسات الأمنية إلى أدوات بيد الأحزاب، لا حراساً للسيادة أو القانون.
الزعيم مقتدى الصدر علّق على ما يجري قائلاً: “أين الديمقراطية في ذلك؟ هذا تدمير لحرية الرأي”، في إشارة صريحة إلى أن الانتخابات فقدت نزاهتها قبل أن تبدأ، وأن القيادات المتنفذة تسعى لتأمين نتائج مسبقة عبر الضغط والترهيب داخل المؤسسات الرسمية.
الباحث علي الجبوري وصف هذه الممارسات بأنها “جريمة دستورية”، موضحاً أن القانون يمنع تماماً أي نشاط سياسي أو توجيه انتخابي داخل صفوف القوات المسلحة، لكن غياب المساءلة وضعف الرقابة جعلا القيادات تتصرف كأمراء مناطق، تُصدر الأوامر السياسية تحت غطاء الانضباط العسكري.
ورغم تحذيرات المفوضية العليا للانتخابات في دورات سابقة من هذه الظواهر، إلا أن النفوذ الحزبي المتغلغل داخل الوزارات الأمنية جعل من “الاقتراع الخاص” ساحة للتأثير والابتزاز، بدل أن يكون مقياساً للوعي المؤسساتي.
ويرى مراقبون أن ما يحدث اليوم يفضح فشل الحكومة في بناء مؤسسة أمنية مهنية ومحايدة، ويؤكد أن “الدولة العميقة” ما زالت تتحكم بمفاصل القرار والولاء داخل الأجهزة الرسمية. فكيف يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية في بلد يُجبر فيه الجندي على التصويت لمن يهدده؟
في ظل هذه المعطيات، بات واضحاً أن السلطة تستخدم السلاح والوظيفة العامة لتثبيت نفوذها السياسي، وأن الانتخابات المقبلة لن تكون اختباراً لصناديق الاقتراع بقدر ما ستكون اختباراً لمدى قدرة الدولة على الخروج من قبضة الفساد السياسي.
النتيجة واحدة، كما يقول أحد المراقبين: “حين يُساق المنتسب إلى صناديق الاقتراع بأوامر فوقية، فليس أمام المواطن إلا أن يدرك أن الانفلات لم يعد أمنياً فقط، بل ديمقراطياً أيضاً.”
![]()
