بغداد – كشف مرصد “العراق الأخضر” البيئي ، عن كارثة بيئية متصاعدة تضرب مجمع بسماية السكني في العاصمة بغداد، الذي كان من المفترض أن يكون نموذجاً للمدن الحديثة النظيفة، قبل أن يتحول بفعل الإهمال الحكومي والتجاوزات الصناعية إلى بؤرة تلوث خانقة تهدد حياة السكان.
وبحسب تقرير المرصد، فإن معامل الطابوق القريبة ومقالع النفايات المحيطة بالمدينة أصبحت المصدر الرئيسي للتلوث في المنطقة، حيث تُحرق النفايات بشكل شبه يومي دون أي رقابة من الجهات الرسمية، فيما تلتزم وزارة البيئة والجهات الرقابية صمتاً مطبقاً أمام هذا الخراب البيئي المتفاقم.
وأكد المرصد أن التلوث يغطّي سماء بسماية منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء، ممتداً إلى وسط العاصمة، متسبباً في حالات اختناق متكررة نُقل بعضها إلى المستشفيات، محذراً من أن استمرار الإهمال سيؤدي إلى انتشار أمراض تنفسية خطيرة وتدمير الغطاء النباتي وتغيّر لون المباني بفعل التلوث المستمر.
وبحسب بيانات منصة IQAir السويسرية لمراقبة جودة الهواء، احتلت بغداد المرتبة الثانية عالمياً بين أكثر المدن تلوثاً بالهواء، إذ سجل مؤشر جودة الهواء نحو 150 نقطة ضمن فئة “غير صحي”، نتيجة ارتفاع الجسيمات الدقيقة PM2.5 الناتجة عن الوقود الرديء المستخدم في معامل الطابوق والإسفلت.
وتؤكد المصادر البيئية أن تجاهل السلطات لمعالجة الانبعاثات الخطيرة من هذه المعامل غير المرخصة، التي تعمل بالوقود الثقيل (النفط الأسود)، هو السبب الرئيس في استمرار الظاهرة، فيما تكتفي الجهات المعنية بإصدار بيانات شكلية وتوصيات بلا تنفيذ.
ويشير المرصد إلى أن رائحة الكبريت عادت مؤخراً لتخنق سكان العاصمة، نتيجة استمرار حرق النفايات دون توقف، رغم التحذيرات المتكررة من مخاطر هذه العمليات على الصحة العامة، في ظل غياب أي إجراءات حقيقية للمحاسبة أو الإغلاق.
ويوضح التقرير أن الحكومة، بدلاً من معالجة مصادر التلوث، توجّه المواطنين لغلق نوافذهم وارتداء الكمامات، في مشهد يعكس فشل الدولة في مواجهة التلوث الصناعي وتحولها إلى شريك في تفاقمه.
ويحذر مرصد “العراق الأخضر” من أن السكوت عن هذه الجرائم البيئية سيحوّل العاصمة إلى “منطقة غير صالحة للعيش”، داعياً إلى محاسبة المسؤولين عن السماح باستمرار هذه الأنشطة الصناعية الملوِّثة، ووقف تراخيص المعامل المخالفة فوراً.
في المقابل، يرى خبراء بيئيون أن ما يجري ليس مجرد إهمال بل منظومة فساد متكاملة، إذ تُترك المعامل الملوِّثة تعمل بلا رقابة مقابل نفوذ مالي وسياسي يمنع محاسبتها، لتبقى سماء بغداد مغطاة بالدخان والرماد، فيما يدفع المواطن ثمن صفقات الفساد بصحته وحياته كل يوم .
![]()
