بغداد – أثارت خطوة الحكومة العراقية بمنح أكثر من 16 ألف مقعد دراسي في الجامعات الحكومية والخارجية، بينها تخصصات نادرة كالطب والصيدلة وطب الأسنان، موجة غضب واستنكار بين الطلبة وأولياء الأمور، الذين اعتبروا القرار “غير منطقي” و”مخالف للمعايير العلمية والاقتصادية”، خصوصاً مع تزايد الديون وتراجع الخدمات الأساسية في البلد.
ووصف الطلبة سياسة القبول الحالية بأنها “تضيّق الخناق على المتفوقين”، بعد أن وصلت معدلات القبول في كليات الطب إلى أكثر من الحد الأقصى للامتحان الوزاري، في مفارقة أثارت السخرية والامتعاض، إذ أصبح تجاوز السقف الرسمي للدرجات ممكناً بصورة غير مفهومة.
وأشار الطالب أحمد جاسم إلى أن “ما يجري هو عبث رسمي بمستقبل الطلبة، فبدلاً من معالجة أخطاء نظام القبول، تُرفع الحدود فوق الطاقة، ويُفتح باب للقبولات الخاصة والمنح الخارجية الممولة من أموال الشعب”، مؤكداً أن هذه الخطوة “تهدر الموارد الوطنية وتهمش الكفاءات”.
وأكد والد إحدى الطالبات أن “بلداً مديوناً يمنح 16 ألف مقعد دراسي خارجي، بينما الدول الغنية تمنح أعداداً أقل بكثير، ومن الأولى إصلاح التعليم المحلي الذي خرج من التصنيفات العالمية بدلاً من التباهي بالمنح الخارجية”.
ويحذر مختصون اقتصاديون وأكاديميون من أن العراق، الذي ما زال ضمن الدول النامية، لا يمتلك القدرة المالية أو الأكاديمية لتمويل هذا الكم الهائل من المقاعد، معتبرين أن القرار يمثل استنزافاً غير مبرر للمال العام، بينما تحتاج الجامعات المحلية إلى ترميم مختبراتها وتحديث برامجها قبل تصدير فرصها الدراسية.
ويزيد القرار الطين بلة أن آخر التصنيفات العالمية للجامعات (QS وTHE وARWU للعام 2026) أخرجت جميع الجامعات العراقية من قوائم أفضل الجامعات العربية والعالمية، في حين تتصدر جامعات السعودية وقطر ومصر والإمارات المراتب الأولى، ما يعكس أزمة عميقة في إدارة التعليم العالي.
ويشير مراقبون إلى أن بعض هذه المنح تُستخدم كأداة لتحقيق مكاسب سياسية وكسب رضا خارجي أو تلميع صورة الحكومة في المحافل الدولية، بدلاً من أن تكون ضمن استراتيجية علمية وطنية حقيقية، ما يثير الشكوك حول دوافع توزيع المقاعد بهذا الحجم الضخم.
ويؤكد خبراء التعليم أن منحاً بهذا الكم لا تقدّمها حتى الدول الغنية، ما يجعلها أقرب إلى خطوة استعراضية ذات بعد سياسي أكثر من كونها استثماراً في رأس المال البشري.
وطالب عدد من الطلبة وزارة التعليم العالي بمراجعة سياسة القبول والمنح، واعتماد نظام أكثر عدلاً وشفافية يراعي الواقع الاقتصادي والتعليمي للبلد، بدلًا من “تحويل القبولات إلى بوابة للوجاهة السياسية وتوزيع الامتيازات على حساب الكفاءات”.
![]()
