بغداد – في وقت يعاني فيه المواطن العراقي من انعدام الخدمات الأساسية وتدهور البنى التحتية، تكشف الأرقام الصادمة عن حجم الإنفاق الحكومي اليومي، والذي وصل إلى 470 مليار دينار عراقي يومياً، في مشهد يعكس عمق الفساد المستشري في مفاصل الدولة، وسوء إدارة المال العام من قبل الطبقة السياسية الحاكمة .
التقديرات المالية الأخيرة، الصادرة عن مختصين ومستشارين حكوميين، تؤكد أن الحكومة العراقية تُنفق شهرياً ما يقارب 14 تريليون دينار، يُهدر جزء كبير منها على أبواب الرواتب والتعيينات السياسية والصفقات المشبوهة، دون أن يقابله أي تحسن في الواقع المعيشي أو الخدماتي للمواطنين.
رغم تجاوز موازنة العراق السنوية سقف الـ200 تريليون دينار، تعيش البلاد على وقع أزمة اقتصادية خانقة، وافتقار واضح لمشاريع تنموية حقيقية، مما يطرح تساؤلات خطيرة: أين تذهب كل هذه الأموال؟ ومن يقف وراء هذا النزيف المالي المتواصل؟
اقتصاديون وخبراء يرون أن هذا الإنفاق غير المُبرر يعكس حجم التوظيف العشوائي، والتضخم في الجهاز الإداري، والصفقات السياسية التي ترهق خزينة الدولة وتغذي شبكات الفساد الحزبي. ومع ارتفاع عدد الموظفين إلى أكثر من 4 ملايين موظف، باتت الدولة رهينة لطبقة سياسية تستخدم المال العام كأداة للسيطرة والولاء، لا كوسيلة لبناء الدولة.
في الوقت الذي يُنفق فيه 470 مليار دينار يومياً، يعاني آلاف العراقيين من شح المياه، وانقطاع الكهرباء، ورداءة الخدمات الصحية والتعليمية، في مشهد يكشف المفارقة القاتلة بين ما يُصرف، وما يصل فعلياً للمواطن.
ويرى مراقبون أن هذا النمط من الإنفاق العشوائي ليس مجرد فشل إداري، بل هو منهج متعمد في إفراغ الدولة من مواردها لصالح جهات متنفذة، استحوذت على القرار السياسي والاقتصادي، وحولت الوزارات إلى مزادات نفوذ، والوظائف إلى مغانم انتخابية.
المحاسبة غائبة، والرقابة مفرغة من مضمونها، ومؤسسات الدولة تبدو عاجزة أمام مافيات السياسة والمال. أما المواطن، فبات المتضرر الأول من هذا الاستنزاف المنهجي، وسط صمت حكومي مطبق وتواطؤ برلماني مكشوف.
470 مليار دينار يومياً هي الرقم الذي يختصر مأساة وطن تُنهبه نفس الأيدي التي أقسمت على حمايته.
![]()
