الانبار – في مشهد يعكس عمق الفساد السياسي وتسييس مؤسسات الدولة، تتصاعد التحذيرات من خطورة ما يجري في محافظة الأنبار، حيث يتهم باحثون وسياسيون الحزب الحاكم باستخدام أجهزة الدولة ومواردها لخدمة حملته الانتخابية، في تجاوز صارخ للقوانين ومبادئ العدالة الانتخابية.
الباحث في الشأن السياسي عبد الله الفهد كشف عن عمليات ضغط ممنهجة تمارسها قيادات الحزب الحاكم على مديري الدوائر والمسؤولين والضباط لإجبارهم على دعم مرشحي الحزب والتحالفات التابعة له. وأوضح أن بعض المسؤولين يتعرضون لابتزاز وتهديدات مباشرة، في حين يتم توجيه الموظفين والمنتسبين نحو التصويت القسري لصالح مرشحي الحزب، ما حول الدوائر الحكومية إلى أدوات سياسية بيد المتنفذين.
وأكد الفهد أن ما يحدث يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ الحياد المؤسسي وتقويضاً لأسس الانتخابات النزيهة، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية نفسها لم تسلم من هذا الاستغلال، إذ يجري تسخير نفوذها لخدمة أجندة سياسية محددة. واعتبر أن سكوت الحكومة والمفوضية العليا للانتخابات عن هذه الممارسات “تواطؤاً واضحاً” يهدد نزاهة العملية الديمقراطية برمتها.
ومن جهته، وجّه عضو تحالف الأنبار طارق الدليمي اتهامات مباشرة للحزب الحاكم باستخدام إمكانيات الدولة في حملاته الدعائية، مؤكداً أن دوائر الدولة تحولت إلى أذرع انتخابية تخدم مرشحين محددين. وقال إن هذه التصرفات تجري بعلم الحكومة ودون أي رادع من المفوضية، في خرق واضح للقانون الذي يمنع استغلال موارد الدولة لأغراض انتخابية.
وأشار الدليمي إلى أن اللافتات الانتخابية الضخمة التي غزت الطرق والجسور في الأنبار، والتي تصل تكلفة الواحدة منها إلى نحو 3 ملايين دينار، تكشف حجم الإنفاق المبالغ فيه من أموال يشتبه بأنها من موارد الدولة نفسها، موضحاً أن مجموع المصروفات على الحملة الانتخابية تجاوز المليارات في ظل غياب أي رقابة مالية أو تدقيق حكومي.
ويقول مراقبون إن ما يجري في الأنبار ليس حالة فردية، بل جزء من نهج سياسي مستمر لتكريس نفوذ الحزب الحاكم عبر السيطرة على مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أدوات تمويل ودعاية انتخابية. ويرى هؤلاء أن استمرار هذه الانتهاكات في ظل غياب المساءلة يعكس ضعف القانون وتغول السلطة الحزبية على أجهزة الدولة، الأمر الذي يهدد بانهيار الثقة بالعملية الانتخابية ويقوّض مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين.
ويرى مراقبون أن تكرار مثل هذه التجاوزات في كل دورة انتخابية يكشف حجم الفساد المستشري داخل المنظومة الحاكمة، حيث تُستخدم الوزارات والدوائر الحكومية كوسيلة لتثبيت النفوذ بدلاً من خدمة المواطن. ويؤكد الخبراء أن استمرار هذا السلوك يعني أن الدولة العراقية تتجه نحو “تسييس كامل لمؤسساتها”، لتصبح الإدارة العامة أداة بيد الحزب الحاكم، في مشهد يعيد إنتاج الفساد بأشكال جديدة تحت غطاء الانتخابات والديمقراطية .
![]()
