بغداد – رغم مرور أكثر من عقد ونصف على وعود الحكومات المتعاقبة بتنظيم ملف النفط والغاز، لا تزال الثروة الوطنية رهينة صفقات المحاصصة السياسية ومساومات الأحزاب المتنفذة التي تتقاسم القرار في بغداد وأربيل. فالقانون الذي يُفترض أن يحسم الجدل حول ملكية وإدارة النفط ظل حبيس أدراج البرلمان، بفعل إرادة متعمدة من قوى الفساد التي وجدت في غياب التشريع باباً واسعاً للابتزاز وتقاسم الموارد بعيداً عن الشفافية والمحاسبة.
عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شيرزاد حسين أكد أن استمرار الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل “مرهون بإقرار قانون النفط والغاز من قبل الدورة البرلمانية المقبلة”، مشيراً إلى أن “الكتل السياسية والحكومات السابقة تعمدت تعطيل طرح القانون، لإبقاء الأزمة المالية قائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم”.
ويكشف هذا التصريح، وفق مراقبين، عمق الأزمة البنيوية في نظام المحاصصة الذي حوّل الثروة النفطية إلى ورقة تفاوض بين شركاء السلطة، لا إلى مورد وطني يصب في مصلحة الشعب العراقي. فكل طرف يستخدم الملف وسيلة ضغط لانتزاع مكاسب سياسية أو مالية، فيما تُهدر مليارات الدولارات سنوياً في ظل غياب التشريع الواضح والرقابة الفعلية.
ورغم إعلان استئناف تصدير نفط الإقليم مؤخراً بواقع 190 ألف برميل يومياً، يُخصص منها 50 ألفاً للاستهلاك المحلي، فإن هذا “الإنجاز” يبقى شكلياً ما دام القانون غائباً، والدستور يُفسّر وفق مصالح الكتل لا نصوصه. فالقضية لم تعد تتعلق فقط بالعائدات أو بالتصدير، بل بالتحكم في مفاصل الدولة الاقتصادية من قبل أحزاب جعلت من النفط أداة نفوذ وتمويل سياسي.
ومنذ عام 2007 فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في تمرير قانون النفط والغاز، لأن القوى المتشاركة في السلطة لا تريد شفافية تُنهي سيطرتها على موارد البلاد. فبينما تتمسك أربيل بحقها في التعاقد المباشر مع الشركات الأجنبية، تصر بغداد على أن النفط ملك للشعب العراقي، لكنها في الواقع تُدار بقرارات سياسية لا مؤسسية. وهكذا يتحول القانون من إطار تنظيمي إلى رهينة بيد الفاسدين الذين يتقنون فن تعطيل مصالح الدولة للحفاظ على مكاسبهم.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى ملف النفط والغاز المثال الأوضح على فساد منظومة الحكم في العراق، حيث تتحكم المحاصصة في التشريعات، وتُدار الثروة بمعايير الولاء لا الكفاءة، ليظل المواطن الخاسر الأكبر من لعبة السلطة التي لا تعرف سوى الصفقات والاتفاقات المؤقتة .
![]()
