بغداد – في مشهد يعكس عمق الفوضى التي تضرب المشهد السياسي العراقي، تتجه البلاد نحو انتخابات نيابية جديدة في 11 تشرين الثاني المقبل وسط جدل واسع بعد دخول فنانين وشعراء ومؤثري مواقع التواصل الاجتماعي سباق البرلمان، في ظاهرة يرى كثيرون أنها نتيجة مباشرة لانحدار المعايير السياسية وغياب الرقابة على من يمثل الشعب.
ورغم أن الدستور لا يمنع أي مواطن من الترشح، إلا أن غياب الضوابط الأخلاقية والمهنية جعل البرلمان ساحة مفتوحة أمام الباحثين عن الشهرة بدلاً من الكفاءة، ما يثير مخاوف من أن تتحول المؤسسة التشريعية إلى منصة للتسلية بدلاً من التشريع.
الفنان يوسف صلاح الدين المعروف بشخصية “حبنتي”، أعلن ترشحه للانتخابات قائلاً إنه يسعى “لخدمة الناس ومعالجة المشاكل بطريقة فنية سياسية”، لكن مراقبين يرون أن هذه اللغة تعكس استهتار الطبقة السياسية بعقول المواطنين، بعد أن عجزت الحكومات المتعاقبة عن إصلاح أبسط مؤسسات الدولة.
ويبرر بعض الفنانين مشاركتهم بأنهم “مهمّشون”، بينما الحقيقة أن السلطات سمحت بتحويل السياسة إلى مهنة من لا مهنة له، بعد أن فُقدت الثقة بالكفاءات الوطنية وتم استبدالها بأسماء تجذب المتابعين لا الناخبين.
الخبير القانوني حسن هادي زاير أقرّ بأن القانون لا يمنع هذه الترشيحات، لكنه لم يُخفِ أن الباب المفتوح بلا معايير واضحة قد يقود إلى برلمان هشّ تتحكم فيه الدعاية الإلكترونية لا الكفاءة الفكرية.
أما المحلل السياسي مهند الراوي فحذّر من أن دخول شخصيات من عالم “الفاشن” و”البلوغرز” إلى البرلمان هو “تدمير ممنهج لأعلى سلطة في الدولة”، مؤكداً أن بعض الكتل السياسية تستخدم هؤلاء كواجهة لتسويق فشلها وكسب أصوات الشباب بطرق رخيصة.
بدوره، وصف المحلل عبد الله الكناني الظاهرة بأنها “استهتار بقدسية العمل التشريعي”، معتبراً أن بعض الأحزاب تستورد الوجوه المعروفة من عالم الفن والسوشيال ميديا كبديل عن البرامج والإصلاحات، في ظل غياب وعي سياسي حقيقي لدى المرشح والناخب معاً.
ويختم متابعون بأن ما يحدث اليوم ليس ديمقراطية، بل مسرح عبث سياسي جديد، تُدار فصوله من قبل أحزاب فاسدة تبحث عن أدوات تلميع جديدة بعد أن فشلت في كل شيء، حتى في حفظ هيبة البرلمان الذي تحول إلى مرآة تعكس انحدار دولة تدار بالشعارات لا بالكفاءات .
![]()
