بغداد – بينما تتكشف يوماً بعد آخر ملامح الكارثة المائية في العراق، تظهر صور جديدة من نهري دجلة والفرات تفضح عمق التقصير الحكومي في إدارة ملف المياه، حيث بدت الأنهار شبه خالية، وانكشفت مساحات واسعة من قاعها، فيما تحولت أجزاء منها إلى جزر طينية يمكن عبورها سيراً على الأقدام.
المشاهد الصادمة التي التقطتها عدسات المواطنين من مناطق غربي البلاد، وبالقرب من محطة سحب مشروع ماء “عنه”، كشفت تراجعاً حاداً في مناسيب المياه وتكدس النفايات في مجاري الأنهار، في مشهد يجسد انهيار السياسات المائية وغياب الخطط الاستباقية للحد من آثار الجفاف.
الخبير البيئي علي جاسم المسافري، رئيس مؤسسة “جلجاموس”، أكد في تصريح خاص أن “الانخفاض الكبير في نهر دجلة سببه توقف الإطلاقات المائية من سد الموصل، حيث تراجعت الكميات إلى نحو 210 أمتار مكعبة في الثانية، في حين أن الحد الأدنى الطبيعي يجب أن لا يقل عن 350 متراً مكعباً”. وأضاف أن “السبب المباشر هو ضعف الواردات التركية التي لا تتجاوز 130 متراً مكعباً في الثانية، وسط صمت حكومي غير مبرر”.
المسافري حذر من أن استمرار هذا الوضع “سيقود إلى استنزاف المخزون الاستراتيجي للمياه، وربما إلى جفاف سد الموصل بنهاية تشرين الثاني المقبل”، مشيراً إلى أن “الاعتماد على احتمالية سقوط الأمطار كخطة إنقاذ هو دليل على فشل مؤسسي في إدارة الموارد المائية”.
وفي الوقت الذي تكتفي فيه الحكومة بالزيارات الدبلوماسية والبيانات الفضفاضة، كما حدث في زيارة نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية فؤاد حسين إلى أنقرة في العاشر من تشرين الأول الجاري، فإن الواقع على الأرض يزداد سوءاً، إذ لم تُترجم تلك اللقاءات إلى اتفاقات ملزمة تحفظ حقوق العراق المائية.
اللافت أن وزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله رفض، بحسب عضو مجلس النواب رائد المالكي، الكشف عن حجم الخزين المائي في سد الموصل، ما أثار الشكوك حول مدى خطورة الوضع الحقيقي الذي تحاول الجهات الرسمية التغطية عليه.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه المصادر عن زيارة مرتقبة لوفد تركي إلى بغداد “لبحث ملف المياه وتصدير النفط عبر جيهان”، يرى مراقبون أن الحكومة العراقية فقدت زمام المبادرة، وأنها تتعامل مع أزمة وجودية بعقلية رد الفعل لا التخطيط.
صور جوية حصلت عليها وكالة شفق نيوز من قضاء الكفل أظهرت جفاف نهر الفرات وتحول مجراه إلى أرض يابسة تتخللها برك محدودة من المياه الراكدة، ما يؤكد أن البلاد مقبلة على كارثة بيئية وزراعية تهدد الأمن الغذائي ومستقبل الأجيال القادمة.
العراق الذي عاش أربع موجات جفاف قاسية خلال الأعوام (2017، 2021، 2023، 2025)، يعيش اليوم فصلاً جديداً من الفشل الإداري وغياب العدالة المائية، في ظل استمرار الصمت الرسمي واتهامات بالتقصير والفساد في إدارة أخطر ملف يتعلق بحياة العراقيين.
![]()
