بغداد – رغم مرور أكثر من عامين على إعادة تفعيل مجالس المحافظات في العراق، بعد تجميد دام عقدًا من الزمن، إلا أن الأداء المتعثر لهذه المجالس بات يطرح تساؤلات جدية حول جدواها، وسط مؤشرات واضحة على الفشل واتهامات بتغذيتها للفساد وتكريس المحاصصة السياسية على حساب الخدمة العامة.
وفي الوقت الذي جرت فيه انتخابات هذه المجالس في كانون الأول/ديسمبر 2023، فإن عملية تشكيلها واختيار المحافظين استغرقت شهورًا وسط غياب تام للضوابط المهنية والرقابية، ما جعل الإخفاق نتيجة متوقعة منذ البداية، بحسب مراقبين.
خلافات ومحاصصة وغياب للمهنية
النائب المستقل حسين السعبري وصف أداء المجالس بأنه “دون المستوى”، لافتًا إلى أن المجالس بدلًا من القيام بدورها الرقابي والخدمي، أصبحت “حلقة فارغة تُغذي الفساد وتُكرّس الخلافات بين المحافظين ورؤساء المجالس”.
أما عضو مجلس محافظة بابل، حسين الدهموشي، فقد كشف بوضوح عن تغلغل المحاصصة في عمل المجالس، مؤكدًا أن المستقلين لا يمتلكون القدرة على إيقاف أي قرار لأن الأغلبية تنحصر بأحزاب السلطة، وهو ما يجعل العمل للمصلحة العامة أمرًا شبه معدوم، ويحوّل المجلس إلى “مؤسسة فاسدة بهيكل إداري لا يخدم المواطن”.
فقدان الثقة وتآكل الأداء الرقابي
النائب السابق مازن الفيلي لم يتردد في وصف أداء المجالس والبرلمان معًا بأنه في “تدهور مستمر من دورة إلى أخرى”، مشيرًا إلى أن غياب الرقابة تسبب في تفشي الفساد المالي والإداري، وأضر بمصالح المواطنين بشكل مباشر، ودفع باتجاه تآكل ثقة الشعب بالمؤسسات المحلية والسياسية على حد سواء.
تناحر حزبي بدل الرقابة
من جانبها، رأت المحللة السياسية نوال الموسوي أن ضعف المجالس ناتج عن “غياب المعايير المهنية والشفافية منذ البداية”، مؤكدة أن تقاسم النفوذ الحزبي عطّل دور هذه المجالس تمامًا، التي تحوّلت إلى منصات للتسقيط السياسي وتصفية الحسابات الحزبية، بدلًا من العمل على تحسين الخدمات أو تلبية احتياجات المواطنين.
الموسوي شددت على أن ما يجري داخل هذه المجالس لا يمت بأي صلة لمفهوم الرقابة أو الديمقراطية المحلية، بل يُكرّس بيئة مغلقة يهيمن عليها الصراع السياسي الضيق، وغياب كامل لآليات المحاسبة، وهو ما حوّلها إلى “أداة بيروقراطية تُعيق التنمية، وتُحقق مصالح ضيقة لأحزاب السلطة”.
استنساخ الفشل.. لا أحد يتعظ
وفي خلاصة صارخة، أكدت الموسوي أن ما يجري اليوم هو استنساخ للفشل الذي تسبب بتجميد المجالس لعشر سنوات سابقًا، دون أن يتعظ أحد من التجربة الماضية، مشيرة إلى أن استمرار هذه الحالة سيجعل من مجالس المحافظات عبئًا على النظام السياسي بدل أن تكون دعامة له، ومصدرًا للفساد بدل أن تكون أداة للرقابة والإصلاح .
![]()
