بغداد – في مشهد يتكرر بفظاعة، حمّل المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، اليوم الجمعة، الحكومة والجهات الرسمية مسؤولية مباشرة في فاجعة حريق “الهايبر ماركت” بمدينة الكوت، معتبراً إياها “جريمة قتل متعمدة ناتجة عن إهمال ممنهج وتواطؤ فاضح”.
وفي تقرير صادم، كشف رئيس المركز فاضل الغراوي أن عدد الضحايا بلغ 69 قتيلاً حتى الآن، بينهم جثث متفحمة لم يتم التعرف عليها بعد، وسط استمرار جهود انتشال الجثث من تحت الأنقاض، في وقت أُصيب فيه العشرات بحالات اختناق وحروق شديدة.
الغراوي شدد على أن الجريمة بدأت منذ لحظة منح الموافقات للبناء والأشغال دون أي التزام بمتطلبات السلامة والأمان، لافتاً إلى أن “البناية ربما أنشئت من الأساس دون ترخيص قانوني”، ما يُعد فضيحة إدارية تُدين المسؤولين المحليين الذين غضّوا الطرف عن مخالفات جسيمة.
ظاهرة الحرائق.. فشل حكومي متواصل
واعتبر المركز أن حوادث الحرائق في العراق تحولت إلى ظاهرة تهدد الأمن الإنساني، مشيراً إلى أرقام كارثية من مديرية الدفاع المدني:
- 2022: أكثر من 31,000 حريق
- 2023: أكثر من 34,500 حريق
- 2024 (حتى تموز): أكثر من 21,000 حريق
وتنوعت أسباب هذه الكوارث بين تماس كهربائي (60%)، تخزين عشوائي للوقود (25%)، إهمال بشري (10%)، وأسباب جنائية (5%)، في وقت تغيب فيه أي إجراءات وقائية جادة من السلطات.
من ابن الخطيب إلى الكوت.. مسلسل الإهمال مستمر
التقرير استعرض سلسلة من الحرائق الفادحة التي هزت العراق خلال السنوات الماضية، دون محاسبة فعلية للمقصرين:
- حريق قاعة الأعراس في الحمدانية (2023): أكثر من 120 ضحية
- حريق مستشفى الحسين في ذي قار (2021): أكثر من 92 ضحية
- حريق مركز كورونا في ابن الخطيب ببغداد (2021): 82 ضحية
- وآخرها حريق هايبر ماركت الكوت: 55 ضحية على الأقل
الغراوي أكد أن صاحب البناية ودوائر المحافظة المعنية بالموافقات والمراقبة شركاء في الجريمة، نتيجة ما وصفه بـ”الإهمال الجسيم والفساد الإداري المستشري”، مطالبًا الادعاء العام بفتح تحقيق قضائي فوري ضد المتورطين من المسؤولين المحليين والإداريين.
دعوة لتشريع وقانون ومحاسبة
وفي ختام التقرير، دعا المركز الحكومة ومجلس النواب إلى تشريع قانون خاص بمتطلبات السلامة العامة، يتضمن عقوبات صارمة بالسجن والغرامة لكل من يتسبب في تعريض أرواح المواطنين للخطر. كما طالب بتشكيل فريق وطني لتقييم إجراءات السلامة في كافة المحافظات خلال 90 يوماً، على أن تُنشر نتائج التحقيق بشفافية للرأي العام، محذرًا من محاولات التغطية أو التسويف في محاسبة المقصرين.
هذا التقرير يكشف الوجه القبيح لإهمال السلطات العراقية وتخليها عن مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، في وقت يدفع فيه المواطنون الأبرياء أرواحهم ثمناً لفساد يتجذّر في مؤسسات الدولة بلا رادع .
![]()
