بغداد – خاص – شهد العراق، وبالأخص إقليم كردستان، في عام 2025 تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات الموجهة ضد منشآت النفط والغاز، والتي تعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد.
أولًا: تصاعد الهجمات المسيرة
هذه الهجمات، التي تم تنفيذها عبر طائرات مسيّرة مفخخة وصواريخ، أدت إلى أضرار مادية جسيمة وتعليق العمليات في عدد من الحقول الحيوية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات مالية وسياسية حادة. وبالنظر إلى حجم وتكرار هذه الاعتداءات، تطرح تساؤلات جادة حول قدرة السلطات العراقية والكردية على حماية البنية التحتية الحيوية، وحول الأسباب العميقة التي تقف وراء استهداف هذا القطاع الحيوي.
ثانيًا: رصد الهجمات المؤكدة في عام 2025
وفقًا لما وثقته وكالات أنباء رسمية وتقارير ميدانية، فقد سُجّلت 5 هجمات مباشرة على منشآت النفط والغاز في العراق وكردستان خلال عام 2025، وكانت على النحو التالي:
| التاريخ | الموقع | نوع الهجوم | الجهة المنفذة (إن وُجدت) | الخسائر |
|---|---|---|---|---|
| 2 شباط | حقل خور مور – السليمانية | طائرة مسيّرة | غير معروفة | أضرار طفيفة، دون إصابات |
| 14 تموز | حقل خورمالا – أربيل | طائرتان مسيّرتان | غير معروفة | أضرار مادية في البنية التحتية |
| 15 تموز | حقل سرسنك – دهوك | انفجار بطائرة مسيّرة | غير معروفة | حريق، وتوقف الإنتاج مؤقتًا |
| 16 تموز | حقول DNO – زاخو | طائرات مسيّرة | غير معروفة | أضرار مادية، دون إصابات |
| 3 تموز | محيط مطار أربيل | طائرة مسيّرة | غير معروفة | إسقاط الطائرة، دون أضرار |
هذا الجدول يُظهر بوضوح نمطًا مكرّرًا في الوسائل المستخدمة (الطائرات المسيّرة)، والأهداف المختارة (حقول نفط وغاز حيوية تديرها شركات أجنبية)، والتوقيت المتقارب، وهو ما يعزز فرضية أن هذه الهجمات ليست فردية أو اعتباطية، بل جزء من استراتيجية منظمة.
ثالثًا: التحليل السياسي والأمني للهجمات
1. الخلفيات السياسية للهجمات
تأتي هذه الهجمات في ظل توتر مزمن بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول ملف إدارة الموارد النفطية. فقد رفعت بغداد دعوى ضد الإقليم بسبب توقيعه عقوداً مع شركات أجنبية دون الرجوع إلى السلطات الاتحادية. ومن أبرز هذه الشركات شركة HKN الأميركية وDNO النرويجية.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى استهداف المنشآت النفطية الكردية كأداة ضغط سياسي – سواء من أطراف داخلية معارضة للإقليم أو من جهات خارجية تسعى لتعطيل استقلاله الاقتصادي.
2. البعد الإقليمي والدولي
تُتهم فصائل مسلحة مدعومة من إيران – وفقًا لتقارير أمنية كردية – بالوقوف وراء عدد من هذه الهجمات، كجزء من صراع أوسع بين إيران والولايات المتحدة على النفوذ في العراق. إذ إن معظم الشركات المستهدفة أميركية أو أوروبية، ما يشير إلى رغبة بتقويض المشاريع الغربية في المنطقة وإعادة توجيه خريطة النفوذ الاقتصادي.
3. العجز الأمني والاستخباري
أظهرت هذه الهجمات فشلاً واضحًا لدى الأجهزة الأمنية، سواء في بغداد أو أربيل، في منع اختراق الطائرات المسيّرة للمجال الجوي والوصول إلى منشآت استراتيجية. ورغم تشكيل لجان تحقيق وتبادل الاتهامات، إلا أنه لم تُعلن حتى الآن أي نتائج تحقيق أو محاسبة حقيقية.
رابعًا: فشل السلطات في التعامل مع الأزمات
1. القصور في منظومات الحماية
معظم المنشآت النفطية المستهدفة تقع في مناطق مكشوفة، دون تغطية دفاعية فعالة ضد المسيّرات. ورغم أن الحكومة العراقية تلقت عروضًا دولية لتعزيز دفاعاتها الجوية، فإن الإجراءات ظلت بطيئة وغير كافية.
2. الانقسام بين بغداد وأربيل
الضعف الأمني لا يمكن فصله عن غياب التنسيق السياسي والأمني بين بغداد وأربيل، إذ تعمل كل جهة بمعزل عن الأخرى، مما يُسهل على المنفذين ضرب المنشآت دون رادع. وقد أشارت حكومة الإقليم إلى هذا الخلل، مطالبة الحكومة الاتحادية بتحمّل مسؤولياتها، دون استجابة تُذكر.
3. التعامل الإعلامي الضعيف
يُلاحظ أن غالبية بيانات السلطات عقب كل هجوم اكتفت بإدانة “الاعتداءات الإرهابية”، دون أن تكشف عن نتائج تحقيق أو أسماء جهات مشبوهة، ما أسهم في ترسيخ صورة سلطة عاجزة عن حماية مقدراتها.
خامسًا: الآثار الاقتصادية والاستثمارية
هذه الهجمات لا تمثل فقط تهديدًا أمنيًا، بل ضربة مباشرة لاقتصاد العراق، خصوصًا في وقت يسعى فيه لجذب الاستثمارات بعد سنوات من الحروب والعقوبات. وقد أصدرت السفارة الأميركية في بغداد بيانًا واضحًا حذّرت فيه من أن استمرار استهداف منشآت النفط سيقوض ثقة الشركات الأجنبية، ويؤثر على الأمن الاقتصادي العام.
سادسًا: توصيات ومعالجات استراتيجية
- توحيد غرفة عمليات مشتركة بين بغداد وأربيل لحماية المنشآت النفطية الحيوية.
- تسريع نشر منظومات دفاع جوي متخصصة للتصدي للطائرات المسيّرة.
- تشديد الرقابة على تحركات الجماعات المسلحة، ومحاسبة من يثبت تورطه بالهجمات.
- تفعيل الاتفاقات الأمنية مع الشركات الدولية لتعزيز حماية الحقول النفطية.
- العودة إلى طاولة الحوار السياسي بين بغداد وأربيل لتسوية النزاعات النفطية، كمدخل ضروري لتعزيز الأمن.
تكشف هجمات 2025 على منشآت النفط والغاز في العراق وكردستان عن خلل عميق في منظومة الأمن الوطني، وضعف في التنسيق بين المؤسسات الاتحادية والإقليمية، وعجز في التعامل مع التهديدات الحديثة كالمسيّرات. وفي غياب تحرك جاد، ستبقى هذه المنشآت – ومعها أمن العراق الاقتصادي والسياسي – رهينة بيد الفاعلين المسلحين والصراعات الإقليمية.
ملاحظة : هذا البحث من إعداد هيئة الإعلام الموحد للمعارضة العراقية
![]()
