بغداد – في مشهد يعكس عمق الفساد السياسي وتهاوي الثقة بين الشعب والسلطة، تتحول الدعاية الانتخابية في العراق إلى سباقٍ محمومٍ على الصور واللافتات، بدل أن تكون ميدانًا لطرح البرامج والإصلاحات. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، تتعرّى الحملات السياسية لتكشف خواءها من أي رؤية حقيقية لإنقاذ البلد من أزماته الخانقة.
فبينما يعيش المواطنون أزمات الماء والكهرباء والخدمات والبطالة، تتفنن الكتل السياسية في تكرار الشعارات المكررة منذ عشرين عامًا، دون أن تمتلك الجرأة لتقديم مشروع واحد واقعي يعالج الانهيار الاقتصادي أو ينهي التبعية للنفط.
النائب المستقل باسم خشان وصف الدعاية الانتخابية الحالية بأنها “فارغة ومضللة”، مؤكداً أن “أغلب المرشحين لا يملكون مشروعاً حقيقياً، وكل ما يعرضونه صور وكلمات براقة لا معنى لها”. وأضاف أن ما يجري “ليس تنافساً على خدمة الشعب، بل مزاداً جديداً على كراسي البرلمان”.
في شوارع بغداد، تحولت الجسور والحدائق إلى معرض فوضوي للملصقات، في خرقٍ صريحٍ لتعليمات أمانة العاصمة. مشهدٌ يختصر كيف تدار الانتخابات: تلوث بصري يغطي تلوثاً سياسياً أعمق، فيما تُهدر أموال طائلة على دعاية بلا مضمون.
السياسي فهد الجبوري، من تيار الحكمة، أكد أن البرامج الانتخابية “تخلو من أي خطة واقعية”، مشيراً إلى أن القوى السياسية “تكرر الأكاذيب نفسها كل دورة انتخابية، من مكافحة الفساد إلى تحسين الخدمات، دون تنفيذٍ فعلي أو تغييرٍ في الأولويات”. وأضاف: “المواطن لم يعد يقرأ هذه الوعود، لأنها تحولت إلى نكات سياسية يعرفها الجميع”.
أما المحلل السياسي حسين الكناني فشدّد على أن “المرشحين عاجزون عن طرح رؤية اقتصادية، لأن معظمهم يفتقرون إلى الخبرة أو الكفاءة”، مضيفاً أن “الفساد السياسي حوّل الخطاب الانتخابي إلى تجارة شعارات، لا علاقة لها بإصلاح الدولة أو تنمية الاقتصاد”.
ويرى مراقبون أن ما يحدث اليوم ليس سباقاً انتخابياً بقدر ما هو سباق على تضليل الناس واستثمار فقرهم ويأسهم، وسط غياب أي محاسبة حقيقية للسلطات التي كرّست الفشل عبر الدورات السابقة.
القيادي في تحالف العزم، عزام الحمداني، أقرّ من جانبه أن “المرحلة المقبلة تحتاج رؤى واقعية”، لكنه لم يخفِ أن القوى السياسية لم تبرهن حتى الآن على امتلاكها الإرادة لبناء مرحلة جديدة، بل ما زالت تدور في حلقة الوعود الفارغة.
الانتخابات القادمة، بحسب الشارع العراقي، لا تعني التغيير بقدر ما تعني إعادة تدوير الوجوه ذاتها، في ظل غياب الإصلاح، واستمرار شراء الذمم، وتكريس ثقافة الشعارات التي تخدم الفاسدين وتخنق المواطن
![]()
