ديالى – مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في العراق، تشهد محافظة ديالى انفلاتاً مبكراً في سباق الدعاية الانتخابية، حيث تحوّلت مناطق مثل بعقوبة والخالص والمقدادية وكنعان وخانقين ومندلي إلى ساحات مفتوحة للولائم والمؤتمرات السياسية والوعود الخدمية المفاجئة، في مشهد يعكس استخداماً مفضوحاً للسلطة والنفوذ والمال العام في الترويج الانتخابي وسط غياب تام لأي رقابة فعلية من الحكومة المركزية أو مفوضية الانتخابات.
وسط هذا التزاحم، تقدّم 364 مرشحاً للمنافسة على 14 مقعداً فقط، بينهم 103 نساء، في وقتٍ تزداد فيه مؤشرات الطموح السياسي مقابل تآكل ثقة المواطنين بجدية المؤسسات المعنية بتنظيم العملية الانتخابية. الأحزاب والائتلافات الستة والعشرة، بالإضافة إلى المرشحين المستقلين، دخلوا سباقاً محموماً تحكمه القاعدة الذهبية: أكثر من يُنفق، أكثر من يُسمع صوته.
ورغم تصريحات المتحدث باسم مفوضية ديالى، سلام مهدي مراد، بأن نسبة تحديث البيانات بلغت 83%، ما يعني أكثر من مليون ناخب مؤهل، إلا أن الميدان يفضح كيف تحوّلت العملية الانتخابية إلى ساحة للاستغلال السياسي والخدماتي، حيث يتم إطلاق مشاريع خدمية مؤجلة أو متلكئة عمداً لتُعرض فجأة كجزء من “الكرم الانتخابي”، وهي حيلة اعتادها المواطن لكنها تمرّ بلا حساب.
وتشير شهادات مواطنين وباحثين سياسيين إلى تورّط كتل سياسية باستخدام المال السياسي وتكتيكات تعرف محلياً بـ”الطواشة”، أي الدفع بأسماء مرشحين وهميين في مناطق محددة من أجل تشتيت الأصوات وضرب المنافسين، ما يكشف عن نظام انتخابي مخترق بأدوات النفوذ والابتزاز المحلي، بعيداً عن مبادئ العدالة والمنافسة النزيهة.
الباحث في الشأن السياسي أحمد العبيدي أكد أن الأحزاب تضخ أموالاً طائلة وتوزع المرشحين وفق خرائط النفوذ العشائري والسياسي لتحقيق مكاسب انتخابية على حساب أصوات الناس، فيما حذر النائب عن ديالى سالم العنبكي من هيمنة بعض الكتل على مناصب ومشاريع قبل بدء التصويت، مشيراً إلى أن الفرص أصبحت غير متكافئة، والمال العام يُستخدم دون خجل لتلميع مرشحين بعينهم.
من جانبه، كشف المواطن عبدالله رضوان أن مناطق أطراف بعقوبة بدأت تشهد توافداً سياسياً كثيفاً بعد سنوات من الإهمال المتعمد، مؤكداً أن الأحزاب باتت تستخدم الخدمات والتعيينات كورقة ضغط وابتزاز مقابل دعم الناخبين، فيما تتوالى الوعود دون ضمانات، وتُستعرض مشاريع المجاري والتبليط المتلكئة كجزء من مسرحية انتخابية رديئة الإخراج.
ورغم كل هذه المؤشرات، تغيب الرقابة الحقيقية، وتبقى مؤسسات الدولة في موقع المتفرج، تاركة الساحة مفتوحة أمام الاستغلال السياسي والتلاعب بإرادة الناخبين، في ظل عجز حكومي واضح عن فرض معايير النزاهة والعدالة الانتخابية. واقع ديالى اليوم يعكس صورة قاتمة لما ستكون عليه الانتخابات القادمة، إذا استمر هذا التواطؤ الممنهج بين السياسيين والسلطات التنفيذية .
![]()
