بغداد – في وقت لم يفق فيه العراقيون بعد من صدمة فاجعة حريق “هايبر ماركت” في الكوت، والذي حصد أرواح العشرات، شهدت العاصمة بغداد وعدد من المحافظات سلسلة جديدة من الحرائق، بلغ عددها عشرة خلال 48 ساعة فقط، ما يعكس حالة الانهيار المؤسساتي والتقصير المستمر في تطبيق معايير السلامة، ويكشف عن عمق الفساد المتغلغل في أجهزة الدولة المعنية.
مصدر في مديرية الدفاع المدني العامة أفاد أن “العراق سجل خلال يومين فقط اندلاع 10 حرائق متفرقة في بغداد وعدة محافظات، إلى جانب حريق الهايبر ماركت في الكوت”، مشيراً إلى أن الحرائق شملت مخزناً للمواد المستهلكة في معسكر التاجي، ومخزناً آخر لقطع غيار السيارات في واسط، وحريقاً في قاعة الاجتماعات بجامعة الكرمة، فضلاً عن مجمع تجاري في الطالبية.
كما اندلع حريق في المحطة الشمالية بطريق الطيب في ميسان، وآخر داخل كرفانات تابعة لشركة صينية في منطقة القادسية ببغداد، بالإضافة إلى انفجار حريق في خزان غاز بمحافظة النجف، وآخر داخل بيت يُستخدم كمعمل في قضاء الحي بمحافظة واسط.
الخبير في شؤون السلامة العامة والإطفاء، فاضل العيساوي، قال في تصريح خاص للوكالة إن “هذه الحرائق ليست مجرد حوادث عرضية، بل نتيجة تراكمات خطيرة ناجمة عن الإهمال وغياب الرقابة، وتجاهل القوانين بسبب الفساد المستشري في المؤسسات الرقابية والتنفيذية”.
وأكد العيساوي أن “الهايبر ماركت الذي احترق كان يفتقر تمامًا لأنظمة الإنذار والإطفاء، مثل المرشات وكابينات الإطفاء والسلالم المخصصة للطوارئ، رغم أن وجود هذه الأنظمة منصوص عليه بوضوح في قانون الدفاع المدني، لكنه لا يُطبق بسبب تواطؤ فاضح بين بعض المسؤولين وأصحاب المشاريع”.
وأشار إلى أن “معظم الحرائق تحدث في منشآت لم تخضع للفحص الدوري، أو حصلت على تراخيص بطرق مشبوهة، في ظل صمت الجهات المختصة وعجزها عن اتخاذ إجراءات رادعة”، محذراً من أن “هذه الكوارث ستستمر طالما بقيت المناصب تُمنح بالمحاصصة، والرقابة رهينة المصالح السياسية”.
ويرى مراقبون أن تزامن هذا العدد الكبير من الحرائق في فترة قصيرة يكشف فشل السلطات في تأمين الحد الأدنى من شروط السلامة العامة، ويضع علامات استفهام كبيرة حول أداء مديرية الدفاع المدني ومعاونية الإطفاء والسلامة، التي يبدو أنها باتت تعمل خارج إطار المهنة والقانون، وسط غياب استراتيجية حقيقية لحماية أرواح المواطنين والمنشآت الحيوية.
ويطالب الشارع العراقي اليوم ليس فقط بمحاسبة المقصرين، بل بكشف شبكات الفساد التي تحمي التجاوزات، وتمنح التراخيص مقابل المال على حساب أمن وحياة الناس. فبينما يُدفن الضحايا بصمت، يستمر الفساد في إحراق البلاد من الداخل .
![]()
