بغداد – في وقتٍ يعيش فيه العراقيون خيبة أملٍ متكررة من أداء المنتخب الوطني لكرة القدم، تتكشف خلف الكواليس حقائق أكثر إيلاماً من مجرد خسارة مباراة أو إقالة مدرب، فالأزمة لم تعد رياضية بقدر ما هي نتاج منظومة فسادٍ إداري ومحسوبياتٍ تُسيّر القرار الكروي بعيداً عن الكفاءة والشفافية.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على آخر تأهلٍ لكأس العالم، ورغم ما تصرفه وزارة الشباب واتحاد الكرة من ميزانيات ضخمة تحت شعار “تطوير المنتخب”، فإن النتائج تزداد سوءاً، في مؤشرٍ واضح على سوء إدارة الموارد وغياب الرقابة والمحاسبة.
النائب باقر الساعدي كشف في حديثه لـ”بغداد اليوم” عن واقعٍ لا يبعث على الاطمئنان، مؤكداً أن “المنتخب الوطني يواجه أزمة إدارية عميقة، رغم توافر كل الإمكانات المالية واللوجستية لتحقيق إنجازات حقيقية”، محملاً المسؤولية لمن وصفهم بـ“أصحاب القرار الذين حوّلوا الرياضة إلى مساحة نفوذ ومصالح شخصية”.
تحليل نتائج المنتخب في السنوات الأخيرة يُظهر أن الأداء الفني المتذبذب ما هو إلا انعكاس لخللٍ إداري مزمن، يتجسد في تبديل المدربين بشكل عشوائي، وتجاهل المواهب الشابة لحساب الولاءات، وغياب الرؤية الاستراتيجية التي تربط القاعدة بالمنتخب الأول.
ويرى مختصون أن الفساد في المؤسسات الرياضية بلغ حدّاً جعل من اتحاد الكرة ساحة لتقاسم النفوذ، إذ تُتخذ القرارات بعيداً عن المعايير الفنية، وتُدار الملفات بروح المحاصصة والمجاملات، ما أفقد المنتخب هويته الفنية ووضعه في دوامة التراجع.
ورغم أن وزير الشباب والرياضة يفاخر بتوفير طائرة فارهة من طراز “دريم لاينر” للمنتخب وفنادق “فرست كلاس”، إلا أن الواقع يؤكد مفارقة موجعة: تجهيزات بمواصفات عالمية يقابلها أداء لا يليق بمنتخبٍ وطني عريق، ما يثير تساؤلات عن حجم الصرف ومصير الأموال المخصصة للتطوير الحقيقي لا للمظاهر.
ويشير محللون إلى أن الفساد الإداري والمالي تسلل إلى عمق المنظومة الرياضية، حيث تُمنح المناصب بالمجاملة لا بالكفاءة، وتُدار المنتخبات بعقلية العلاقات الشخصية، بينما تُهمل المدارس الكروية والفرق الشعبية التي تمثل الرافد الحقيقي للمواهب.
أما “الإصلاح الرياضي” الذي دعا إليه النائب الساعدي، فيبقى شعاراً يتكرر بعد كل إخفاق، من دون أي خطوات عملية، لأن من بيدهم القرار هم جزء من المشكلة ذاتها، في ظل غياب المساءلة ووجود غطاءٍ سياسي يحمي الفاسدين داخل المؤسسة الرياضية.
وبينما تُغلق ملفات الفشل دون محاسبة، تظل كرة القدم العراقية رهينة للصفقات والمجاملات والفساد المالي، في وقتٍ يدفع فيه الجمهور ثمن سوء الإدارة وتضييع الفرص التاريخية.
إن الأزمة، كما يصفها المراقبون، ليست في اللاعبين ولا في المدربين، بل في سلطة رياضية فاسدة حوّلت الرياضة إلى وسيلة نفوذ، وضيّعت حلم جيلٍ كامل في رؤية علم العراق مرفوعاً في كأس العالم.
![]()
