بغداد – في خرقٍ فاضحٍ للدستور والقانون، سمحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لأحزابٍ تمتلك أجنحة مسلّحة بالمشاركة في الانتخابات المقبلة، متجاهلةً النصوص القانونية التي تحظر بشكلٍ قاطع على أي كيانٍ سياسي الارتباط بفصائل عسكرية أو امتلاك تشكيلات مسلحة. هذا التجاوز الصارخ يعيد طرح السؤال الجوهري: هل خضعت المفوضية لضغط الأحزاب المتنفذة والفصائل المسلحة؟
الخبير القانوني محمد الطائي حذّر من أن امتناع المفوضية عن تقديم السند القانوني لمشاركات كهذه “يضع نزاهتها على المحكّ، ويكشف عن ضعف استقلالها أمام نفوذ القوى المسلحة”، مؤكدًا أن الدستور في مادته (9/أولاً-أ) وقانون الأحزاب رقم (36) لسنة 2015 يمنعان أي حزب من امتلاك جناح عسكري.
وفي خطوةٍ غير مسبوقة، قدّم المحامي عباس الكعبي وفريق قانوني طلبًا رسميًا للمفوضية مطالبين بتوضيح السند القانوني لمشاركة تلك الأحزاب، مرفقين وثائق تؤكد صلات مباشرة بينها وبين فصائل مسلحة. لكن المفوضية تجاهلت الطلب، ما أثار شكوكًا واسعة حول استقلال قرارها السياسي.
من جهته، أشار مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل إلى أن أكثر من 74 فصيلًا مسلحًا في البلاد “لا يحق له قانونًا المشاركة في العملية السياسية”، مشيرًا إلى أن بعض القوى استنسخت نموذج الحرس الثوري الإيراني في الدمج بين السياسة والسلاح، ما أدى إلى انهيار مبدأ الاحتكار الحكومي للقوة.
ويؤكد مراقبون أن المفوضية تحولت من جهة رقابية إلى غطاءٍ قانوني يمنح الشرعية لمن يملك السلاح والنفوذ، في حين يُستبعد المستقلون ويُضيَّق على الأحزاب المدنية. وهكذا تُدار الانتخابات في العراق تحت ظل فوهات البنادق لا صناديق الاقتراع. إن تجاهل المفوضية للنصوص الدستورية الصريحة لا يُعدّ مجرد تقصير إداري، بل تواطؤًا مؤسساتيًا يكرّس نفوذ الأحزاب المسلحة داخل العملية الديمقراطية، ويضرب مبدأ المساواة أمام القانون. ما يجري اليوم ليس تنافسًا انتخابيًا، بل تسليم رسمي لمفاتيح الدولة بيد السلاح، وسط صمت حكومي يثير الريبة ويؤكد أن السلطة في العراق لم تعد بيد القانون، بل بيد من يفرض إرادته بالقوة
![]()
