بغداد – أعادت قضية الحكم المؤبد بحق عنصرين منسوبين إلى الحشد الشعبي بتهمة “تسريب معلومات حساسة” الجدل مجددًا حول غياب الشفافية في مؤسسات الدولة، بعدما اكتفت هيئة الحشد ببيان مقتضب خالٍ من التفاصيل، تاركة الشارع غارقًا في التساؤلات.
البيان الذي أُعلن بشكل مفاجئ من دون أي إيضاحات رسمية، فتح الباب واسعًا أمام الشكوك بشأن ما يجري خلف الكواليس، خصوصًا مع حديث مصادر من داخل الحشد عن أن القضية خضعت لإجراءات سرّية “عالية المستوى” استمرت لأشهر، في حين لم تُكشف هوية المتهمين ولا طبيعة المعلومات التي تم تسريبها، ما يثير تساؤلات حول من يحاسب من، ومن يحمي من؟
مصدر مطلع داخل الحشد تحدث عن “كمينين منفصلين” أطاحا بالمتهمين قبل تسليمهما إلى القضاء، لكن الصيغة الرسمية التي تباهت بـ”القدرة الاستخبارية العالية” تجاهلت الأسئلة الأهم: لماذا يُترك الرأي العام في ظلام؟ ولماذا لا تُعلن الحقائق بشفافية إذا كانت الأجهزة تعمل وفق القانون؟
مصدر آخر زعم أن المدانين “لا ينتميان فعلياً للحشد الشعبي”، وأنهما “انتحلا الصفة لأغراض شخصية”، في تناقض واضح مع بيان الهيئة نفسها التي تحدثت عن “عناصر داخل صفوفها”. هذه الازدواجية في الخطاب الرسمي تكشف خللاً في المنظومة الإدارية والرقابية، وتعكس عجز الدولة عن تقديم رواية موحدة للرأي العام.
ويرى مراقبون أن ما يُسمى بـ”التسريبات الحساسة” قد تكون غطاءً لملفات أكبر يجري التعتيم عليها باسم “الأمن القومي”، وهو أسلوب دأبت عليه مؤسسات الدولة في قضايا مشابهة لطمس الحقائق وإغلاق الملفات بعيداً عن المساءلة.
ويشير محللون إلى أن تضارب التصريحات وغياب الشفافية في هذه القضية يعكس ثقافة سلطوية قائمة على إخفاء المعلومات وتكميم الأفواه، حيث تتحول الأجهزة إلى جزر مغلقة لا رقيب عليها، في ظل غياب دور برلماني وإعلامي فعّال في الرقابة والمحاسبة.
في الوقت الذي تُعلن فيه الأحكام تحت شعار “حماية الأمن”، يبقى السؤال الأبرز: من يضمن أن لا تتحول هذه السرية إلى أداة لتصفية الخصوم وتبرير الفشل؟ فالقضية التي سُوّقت كـ”نجاح استخباري” قد تكون في حقيقتها مرآة لفساد أعمق، عنوانه الصمت والتضليل، وشعاره الدائم: لا تسأل، لا تعرف.
![]()
