
بغداد – تتزايد التساؤلات في الأوساط السياسية والشعبية حول حقيقة التحركات الأمريكية داخل الأراضي العراقية، وسط ما يصفه مراقبون بصمتٍ رسمي مريب يعكس ضعف القرار السيادي، وغياب الموقف الوطني الموحد إزاء الوجود الأجنبي في البلاد.
عضو الإطار التنسيقي عدي عبد الهادي حذّر، في تصريح صحفي، من “ثلاثة ظلال أمريكية ثقيلة” تلوح فوق العراق، مشيراً إلى أن واشنطن تتحرك بثلاثة مسارات متوازية تحمل في طياتها تهديداً مباشراً للأمن الوطني.
وأوضح أن التحشيد العسكري الأمريكي في المنطقة وخصوصاً قرب الحدود العراقية، يتزامن مع تلويح مستمر بحرب إقليمية محتملة ضد إيران، الأمر الذي قد يجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية، وسط عجز حكومي واضح عن ضبط إيقاع هذه التحركات أو مطالبة واشنطن بتوضيحات رسمية.
أما الاتجاه الثاني، بحسب عبد الهادي، فيتمثل بـ غموض الانسحاب الأمريكي المعلن، إذ لا توجد خطة واضحة أو جدول زمني محدد، مما يثير المخاوف من تكرار سيناريو 2011 عندما انسحبت القوات بطريقة فوضوية تركت فراغاً أمنياً هائلاً استغله الإرهاب.
في حين يتمثل الاتجاه الثالث، كما يؤكد، في الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة للكيان المحتل على حساب استقرار المنطقة، ما يُظهر ازدواجية المواقف الأمريكية ويكشف تبعية بعض القوى السياسية العراقية التي تبرر هذا الدعم تحت ذرائع “الشراكة الأمنية” أو “التعاون الاستراتيجي”.
مصدر مطّلع كشف أن التحركات العسكرية الأمريكية من قواعد الحرير وعين الأسد تجري تحت غطاء “إعادة التموضع”، لكن الغياب التام للرقابة العراقية يثير تساؤلات عن مدى علم الحكومة بحجم تلك التحركات وأهدافها الحقيقية.
ويرى محللون أن استمرار هذا الغموض مع غياب الشفافية الرسمية يعكس تغلغل النفوذ الأمريكي داخل المؤسسات الأمنية والسياسية، في وقتٍ تتحدث فيه بغداد عن “سيادة منقوصة” وشراكة غير متكافئة.
ويؤكد مراقبون أن ما يجري اليوم ليس مجرد “إعادة تموضع”، بل إعادة رسم لخارطة النفوذ الأمريكي في العراق، فيما تكتفي الحكومة بإصدار بيانات مقتضبة لا تتعدى حدود التوضيح الإعلامي، دون أي خطوات ميدانية أو دبلوماسية واضحة.
في المقابل، يرى الشارع العراقي أن السكوت الحكومي تجاه هذه التحركات هو بمثابة تفريط بالسيادة وتواطؤ غير معلن، بينما تتسع الفجوة بين الشعارات المرفوعة حول “الاستقلال الوطني” وواقع النفوذ الأجنبي الذي يزداد عمقاً يوماً بعد يوم.
بين التحشيد العسكري، والانسحاب الغامض، والدعم الأمريكي للاحتلال، يقف العراق أمام مشهد معقّد من الضبابية السياسية والانقسام الداخلي، في وقتٍ تستمر فيه السلطات بالصمت، وكأنّ السيادة الوطنية باتت ملفاً ثانوياً في مزاد الولاءات الحزبية .