
بغداد – في مشهدٍ يعكس عمق الفساد وانهيار مفهوم الدولة، يعيش العراق اليوم اختباراً خطيراً بين الديمقراطية المزعومة وواقع السلاح المنفلت، فيما تتصاعد المخاوف من تكرار سيناريو الدم والاقتتال على أبواب المنطقة الخضراء كما حدث في عام 2022، حين فشلت السلطات في حماية أبسط مفاهيم النظام والدستور.
المشهد الحالي، كما يصفه السياسي المستقل طلال الجبوري، هو “صراع على السلطة يُدار بلغة التهديد والرصاص لا بصناديق الاقتراع”. فبدلاً من التنافس الديمقراطي، تتبادل الأحزاب المتنفذة الاتهامات وتُعبّئ جمهورها تحت رايات حزبية وفصائلية، في ظل تراجع مؤسسات الدولة وعجز الحكومة عن فرض سيادتها على الميليشيات التي تمسك بقرار الأمن والسياسة.
تحذيرات الجبوري، إلى جانب تصريحات رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، تكشف هشاشة النظام الذي سمح بتحول الديمقراطية إلى ساحة مساومات مسلّحة. فبعد انتخابات 2021، شاهد العراقيون بأعينهم كيف تحوّلت الخلافات الانتخابية إلى معركة في قلب العاصمة، حين اقتحم مسلحون المنطقة الخضراء واشتعلت الاشتباكات بين فصائل تزعم “حماية العملية السياسية”.
اليوم، ورغم الدمار الذي خلّفته تلك الأحداث، تتكرر اللغة ذاتها: تهديد ووعيد، إعلام يُحرّض، وسلاح يتهيأ للنزول إلى الشوارع من جديد. في حين تقف الحكومة عاجزة عن ضبط الخطاب السياسي، وغارقة في فسادٍ جعلها رهينة للأحزاب لا حامية للدستور.
الجبوري حذر بوضوح من أن “اللجوء إلى الشارع بدلاً من القانون يعني انهيار الدولة بالكامل”، فالمؤسسات الانتخابية فقدت ثقة الناس، والطبقة السياسية فقدت ضميرها. لا أحد يحاسب، ولا أحد يُعاقب، فيما يُدار الوطن كغنيمة بين الفصائل والمصالح.
المراقبون يرون أن ما يجري اليوم هو إعادة إنتاج لفوضى 2022، ولكن بصيغة أكثر جرأة وأقل احتراماً للمؤسسات. فالأحزاب التي ترفع شعار “الديمقراطية” هي نفسها التي تُسلّح جمهورها وتُهدد خصومها، والسلطات تغضّ الطرف عن انتهاكات قد تُشعل العاصمة مجدداً.
في النهاية، يتساءل الشارع العراقي:
هل نعيش حقاً في دولة ديمقراطية؟ أم في جمهورية الخوف، حيث يُصوّت المواطن تحت ظل السلاح، وتُكتب النتائج بالرصاص؟
فبين ديمقراطية مشوهة وسلطة فاسدة وسلاح منفلت، يظل العراق محاصراً في دائرة العبث، حيث لا فائز سوى الفساد، ولا خاسر سوى الوطن .