بغداد – في ظلّ صمت رسمي وعجز حكومي متواصل، تتفاقم أزمة المياه في العراق لتتحول إلى كارثة وجودية تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي، فيما يطالب خبراء بتشكيل مجلس أعلى للمياه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، محمّلين السلطات مسؤولية الفشل المزمن في إدارة هذا الملف الحيوي.
رئيس مركز كركوك للحوار والدراسات الاستراتيجية، حسن توران، قال في حديثه إن “أزمة المياه خرجت من كونها مشكلة خدمية لتصبح تهديدًا وجوديًا حقيقيًا”، مؤكدًا أن العراق اليوم يدفع ثمن سنوات من الإهمال وسوء الإدارة وغياب التنسيق بين المؤسسات الرسمية.
وأضاف أن “سياسات دول الجوار المائية ليست سوى جزء من المشكلة، أما الجزء الأخطر فهو داخل العراق نفسه، حيث تتعامل الحكومة مع الملف بعشوائية وقرارات متقطعة تفتقر إلى الرؤية والإرادة السياسية”. وأكد أن الحل يبدأ من تبني سياسة وطنية موحدة تقوم على العدالة المائية والسيادة على الموارد، داعيًا إلى إنشاء مجلس أعلى للمياه يضم الجهات الحكومية والبحثية والمجتمع المدني لتوحيد الجهود وإعادة الاعتبار للأمن المائي.
من جانبه، أشار مستشار رئيس الوزراء لشؤون المياه طورهان المفتي إلى أن المياه باتت قضية أمن قومي ترتبط مباشرة بالغذاء والاقتصاد والاستقرار، لكنه أقرّ ضمنيًا بغياب الخطط التنفيذية الفاعلة، مؤكداً أن البلاد بحاجة إلى الانتقال من “إدارة الأزمة” إلى “إدارة الموارد”، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم التحذيرات المتكررة.
مصادر بيئية حذّرت من أن استمرار الفوضى الحكومية والتنازع بين الوزارات يهدد بتبخّر المخزون الاستراتيجي للسدود خلال أشهر قليلة، خاصة مع تراجع الإطلاقات المائية من تركيا وارتفاع درجات الحرارة وتناقص الأمطار.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه المسؤولون بالتصريحات والندوات، ترصد صور الأقمار الصناعية جفاف الأنهر الفرعية وظهور جزر طينية في دجلة والفرات، ما يعكس فشل الدولة في حماية شريان حياتها الرئيسي.
الخبير البيئي أحمد صالح وصف موسم الجفاف الحالي بأنه “الأقسى منذ ثمانين عامًا”، مؤكدًا أن ما يحدث اليوم هو نتيجة مباشرة لغياب التخطيط، والفساد في مشاريع الري والسدود، وتجاهل التحذيرات العلمية لسنوات طويلة.
وبينما يدعو الخبراء لتشكيل مجلس أعلى للمياه، يرى المراقبون أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير، إذ لم تعد الأزمة مائية فحسب، بل أصبحت مرآة لفساد السلطة وتفكك مؤسساتها، وعجزها عن حماية حق العراق الطبيعي في الحياة.
![]()
