بغداد – لم يعد خطر تغيّر المناخ في العراق مجرد أزمة بيئية، بل تحوّل إلى كارثة وطنية تكشف حجم الإهمال والفساد الإداري الذي ينخر مؤسسات الدولة، إذ حذّر مسؤولون وخبراء آثار من اندثار وشيك لحضارات وادي الرافدين في ظل غياب الإجراءات الحكومية الجادة لإنقاذ المواقع الأثرية في الجنوب.
ففي محافظة ذي قار، يؤكد مسؤولون في دائرة الآثار أن الملوحة والتصحر والجفاف بدأت تلتهم اللبن المستخدم في بناء المعابد والمقابر القديمة في أور وبابل، وسط عجز حكومي تام عن تخصيص الأموال اللازمة للصيانة أو فرض رقابة ميدانية على المشاريع القائمة.
ويقول كاظم حسون، مفتش الآثار في ذي قار، إن “الأملاح الناتجة عن الاحتباس الحراري دمرت أجزاء واسعة من المقبرة الملكية في أور”، مشيراً إلى أن “الفساد في مشاريع الترميم السابقة جعل الأبنية أكثر هشاشة وتلفاً، بعد استخدام مواد رديئة لا تتناسب مع طبيعة البناء الأثري”.
ويضيف عالم الآثار عبد الله نصر الله أن “زقورة أور المدرجة على قائمة التراث العالمي فقدت عشرة أمتار من ارتفاعها بسبب الإهمال وغياب الصيانة المنتظمة”، مبيناً أن “الرياح الشمالية والكثبان الرملية تواصل تآكل جدرانها وسط غياب تام لأي خطة إنقاذ”.
أما في بابل، فيؤكد مدير عام الآثار في وزارة الثقافة منتصر الحسناوي أن “المواقع التاريخية تتهاوى بصمت”، مشيراً إلى أن “التمويل الحكومي لا يغطي حتى 10% من احتياجات الترميم، فيما تُهدر الموازنات في مشاريع شكلية لا أثر لها على الأرض”.
ويحذر الحسناوي من أن استمرار التجاهل الرسمي والتلاعب بالميزانيات سيقود إلى “فقدان رموز أساسية من هوية العراق التاريخية”، داعياً إلى “فتح تحقيق في ملفات الفساد المالي والإداري في مشاريع الترميم السابقة، واستقدام فرق دولية محايدة لإعادة تقييم وضع المواقع الأثرية”.
ويؤكد خبراء أن السكوت الحكومي عن الأزمة المناخية والثقافية جعل من الرمال والملوحة “عدواً صامتاً يلتهم ذاكرة العراق”، في وقت تتقاعس فيه السلطات عن حماية إرثٍ يمثل مهد التاريخ الإنساني، تاركةً حضارات وادي الرافدين تنهار تحت وطأة الفساد والإهمال.
![]()
