بغداد – وصفت لجنة الزراعة والأهوار والمياه النيابية تعامل رئيس الحكومة العراقية مع أزمة المياه بـ”الكسول”، مؤكدة أن بغداد التزمت بكل اتفاقاتها مع أنقرة دون أن تتلقى أي استجابة حقيقية، فيما اتهمت اللجنة الحكومة بانشغالها بالانتخابات على حساب واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد حياة العراقيين.
عضو اللجنة النيابية ثائر مخيف قال إن “التقاعس الحكومي بلغ مرحلة خطيرة، فالعراق منح تركيا امتيازات اقتصادية ضخمة، من تفعيل خط جيهان إلى رفع سقف التبادل التجاري ومنح الشركات التركية مشاريع استثمارية متنوعة، ومع ذلك لم تلتزم أنقرة بإطلاق حصص العراق المائية”. وأضاف أن “الإطلاقات الحالية شحيحة للغاية، والأزمة البيئية والزراعية تتفاقم بينما الحكومة تتصرف وكأنها لا ترى الكارثة”.
وحذّر مخيف من أن استمرار الأزمة بهذا الشكل “قد يؤدي إلى قتل الشعب العراقي بصمت”، داعياً إلى اهتمام حكومي يوازي حجم الكارثة لا الاهتمام الانتخابي المؤقت الذي يستهلك وقت الدولة ومواردها.
الفساد الحكومي تجلى أيضاً في عجز الوزارات المعنية عن وضع خطط إنقاذية للقطاع الزراعي. فقد أكد مدير زراعة ميسان، ماجد الساعدي، أن المحافظة تواجه “كارثة معيشية”، بعد أن جفّت الأهوار بنسبة تجاوزت 90% وتوقفت الخطتان الزراعية الصيفية والشتوية تماماً. وأوضح أن أكثر من 60% من سكان ميسان يعتمدون على الزراعة كمصدر رزق وحيد، محذراً من انهيار اجتماعي واقتصادي وشيك.
وأضاف الساعدي أن “البيئة القاسية دفعت المئات من المزارعين ومربي الجاموس إلى الهجرة وبيع مواشيهم بأسعار زهيدة، في مشهد مؤلم يختصر فشل الدولة في حماية أراضيها وثرواتها الطبيعية”.
من جانبه، وصف النائب السابق جمال البطيخ المشهد بـ”المهزلة السياسية”، قائلاً إن “ملف المياه أصبح رهينة للصراع السياسي بين الرئاسات الثلاث، رغم أن نهر دجلة يجف أمام أعينهم في قلب العاصمة”. وطالب باستخدام أوراق الضغط الاقتصادي والتجاري، بل واللجوء إلى مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي للدفاع عن حق العراق المائي المسلوب.
وبينما يعيش العراقيون على وقع جفاف قاسٍ، يستمر التراخي الحكومي في مواجهة الأزمة، رغم أن العراق يُعد من أكثر خمس دول في العالم تعرضاً لتداعيات التغير المناخي وفق تقارير الأمم المتحدة. البنك الدولي حذر بدوره منذ عام 2022 من أن البلاد تواجه “تحدياً وجودياً”، ومع ذلك بقيت السياسات الحكومية عاجزة عن التحرك.
تقرير للمركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان كشف أن العراق فقد أكثر من 30% من أراضيه الزراعية المنتجة خلال العقود الثلاثة الماضية، نتيجة التغيرات المناخية وسوء الإدارة. ومع كل ذلك، لا تزال الجهات الرسمية تبرر الانخفاض الحاد في مناسيب دجلة والفرات بـ”شح الأمطار”، متجاهلة فشلها الدبلوماسي في التعامل مع تركيا وسوريا.
مصدر سياسي أكد لـ”شفق نيوز” أن “ملف المياه مجمّد بقرار سياسي”، موضحاً أن أي تحرك جاد لحله “لن يتم قبل إعلان نتائج الانتخابات”، وهو ما يعني أن حياة الملايين أصبحت ورقة تفاوض بيد القوى المتنفذة.
الصور التي تداولها ناشطون خلال الأيام الماضية تكشف كارثة بيئية غير مسبوقة: جزر طينية وسط نهر دجلة، مجاري فرعية جافة، أكوام نفايات في قلب المدن، ومياه تتراجع حتى يمكن عبور النهر سيراً على الأقدام. مشاهد توثّق انهياراً بيئياً كاملاً تحت نظر سلطة غارقة في الصفقات والمناكفات.
رئيس مؤسسة “جلجاموس” للآثار والأهوار، علي جاسم المسافري، أوضح أن الإطلاقات المائية من سد الموصل انخفضت إلى نحو 210 أمتار مكعبة في الثانية فقط، أي أقل من الحد الطبيعي بأكثر من الثلث، محذراً من احتمال “جفاف السد بالكامل” بنهاية تشرين الثاني إذا لم تتدخل الأمطار.
الخبير البيئي أحمد صالح وصف الوضع بأنه “الأسوأ منذ 80 عاماً”، مؤكداً أن “السلطة تكتفي بالتصريحات والوعود بينما البلاد تدخل مرحلة العطش الجماعي”.
هكذا تتحول أزمة المياه في العراق إلى مرآة لفساد السلطة وتهاونها، إذ تقف الدولة متفرجة على جفاف أنهارها وانهيار زراعتها، منشغلة بمقاعد الانتخابات، فيما يواجه المواطن مصيراً قاسياً بين العطش والفقر والتهجير.
![]()
