بغداد – تتعمّق أزمة الجفاف في العراق وسط عجز حكومي واضح وتراكم للفساد الإداري في مؤسسات الدولة المعنية بملف المياه والزراعة، إذ أقرت وزارة الزراعة، الأربعاء، بأن البلاد تواجه أزمة حادة في تأمين مياه الري، نتيجة تراجع الإيرادات المائية القادمة من دول الجوار، وعلى رأسها تركيا، ما تسبب بانكماش الخطة الزراعية وتراجع المساحات المزروعة بالحنطة هذا الموسم مقارنة بالسنوات السابقة.
وقال مستشار وزارة الزراعة، مهدي ضمد القيسي ، إن “الخطة الزراعية الصيفية الحالية استبعدت زراعة محصول الشلب الذي يتطلب كميات كبيرة من المياه، في محاولة لتقليل استنزاف الموارد المائية”، مشيراً إلى أن هذا القرار جاء بعد تحذيرات متكررة من وزارة الموارد المائية بشأن نفاد الخزين المائي.
وأضاف القيسي أن “مجلس الوزراء أقر خطة زراعية جديدة للموسم الشتوي 2025-2026 تركز على زراعة الحنطة فقط، بشرطين أساسيين: استخدام مياه الآبار، وتطبيق تقنيات الري الحديثة التي استوردتها الحكومة خلال العامين الماضيين”، موضحاً أن عدد منظومات الري الحديثة المتعاقد عليها بلغ 13 ألف منظومة، تم توزيع نصفها فقط على المزارعين، وسط تساؤلات عن مصير باقي الكميات وأسباب تأخر توزيعها.
وأشار إلى أن “تغير معدلات الأمطار والإيرادات المائية قد يفرض إعادة النظر في أساليب السقي التقليدية”، لكنه أقر بأن الوزارة لا تستطيع تحديد المساحات المزروعة بدقة بسبب اضطراب السياسات المائية وقلة الدعم الحكومي للفلاحين.
ويأتي هذا الاعتراف الرسمي بعد أشهر من تأكيد وزارة الموارد المائية، في تموز الماضي، أن العراق يعيش واحدة من أشد سنوات الجفاف منذ عام 1933، نتيجة انخفاض الإطلاقات المائية من دول المنبع وتأثير التغير المناخي، في حين تواصل الحكومة الاكتفاء بالتصريحات دون وضع حلول حقيقية أو الضغط عبر المسارات الدبلوماسية لاستعادة الحصص المائية.
ويرى مراقبون أن أزمة المياه في العراق لم تعد بيئية فقط، بل سياسية وإدارية في جوهرها، إذ تُتهم الجهات المعنية بالتقصير في إدارة الملف المائي، وغياب الخطط الاستراتيجية طويلة الأمد، وتفشي الفساد في مشاريع استصلاح الأراضي والري الحديث، ما أدى إلى ضياع مليارات الدنانير دون نتائج ملموسة.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن العراق يحتاج إلى أكثر من 233 مليار دولار حتى عام 2040 لمعالجة آثار التغير المناخي، بينما تتراجع قدرته على تمويل المشاريع الزراعية المستدامة بسبب سوء التخطيط واعتماد الاقتصاد على النفط كمصدر وحيد للإيرادات.
كما أكد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان أن العراق خسر قرابة 30% من أراضيه الزراعية المنتجة خلال العقود الثلاثة الماضية، نتيجة الجفاف والتصحر وغياب سياسات حكومية فعالة، ما ينذر بأزمة غذاء متصاعدة تهدد الأمن المعيشي للملايين من العراقيين.
ويحذر خبراء البيئة من أن استمرار النهج الحالي في إدارة الموارد سيجعل العراق أمام كارثة إنسانية واقتصادية، في ظل صمت رسمي عن محاسبة الفاسدين والمتسببين في تدهور الزراعة وضياع المياه، لتتحول أزمة الجفاف إلى مرآة تعكس عمق الفساد الإداري وضعف الإرادة السياسية في مواجهة واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد مستقبل البلاد.
![]()
